د.حنان شكري
أستاذ الأدب المساعد كلية اللغات والترجمة
في الآونة الأخيرة طرقت مسامع المصريين كلمات جديدة، دخيلة على عاداتهم وتقاليدهم، من أمثلة ذلك: عبارة إثبات النسب، وبالتالي اكتظت أروقة محاكم الأحوال الشخصية بقضايا تُرفع لإثبات النسب، أو لعدمه، وفي حقيقة الأمر لابد أن هناك أسبابا عديدة لتلك الظاهرة، لعل أهمها غياب الدين وإهمال القيم والمبادئ التي تربينا عليها منذ الصغر، هذه المفردات الغريبة على المجتمع المصري تنذر بشر مستطير، إذا لم تتصد لها كل الجهات المسئولة، وأولها الأزهر الشريف، والمجالس التشريعية والنيابية، علاوة على دور الأسرة؛ فهي المسئول الأول عن هذا الكيان.
إنه من الموجع حقا أن نجد تلك القضايا معلنة من ذويها على السوشيال ميديا، دون خجل أو حياء، وعلاوة على أنها قضايا تمس الشرف؛ فهي تؤذي نفوسا بريئة، تؤذي أطفالا صغارا ليس لهم ذنب أو جريرة، وإنني أتساءل: هل اغتيال شرف طفل وسمعته يساوي لحظات لذة محرمة عابرة؟! والمؤسف أن مثل هذه القضايا يمتد لسنوات، فماذا جنى هؤلاء الصغار، ليكبروا فيجدوا أنفسهم على تلك الحالة بين أم تسعى لإثبات نسب وأب يتنكر لهذا النسب.
وإنني كإنسانة ومواطنة مصرية، من خلال هذا المقال ولأجل هؤلاء الأطفال أناشد كل الجهات المسئولة، أولا: بسرعة البت في قضايا النسب لعدم ضياع حقوق الأطفال الإنسانية والمادية؛ فمن حق كل طفل أن يحيا بكرامة، وأن يُنسب إلى أبيه.
ثانيا:أن يكون هناك نص في القانون المصري يلزم المتنازعين بإجراء تحليل البصمة الوراثية.
حيث إن القانون المصري إلى الآن يستأنس فقط بالتحليل ولا يعتبره دليلا قاطعا، ولا يلزم المتنازعين بإجراء تحليل البصمة الوراثية للأب (نقلا عن الخبير القانوني والمحامي بالنقض: أستاذ هاني صبري).
وهذا ما حدث مؤخرا في قضية أثارت الرأي العام على مواقع التواصل، حيث حكمت المحكمة بعد أن قدم الرجل تحاليل البصمة الوراثية بعدم إثبات نسب الأولاد له، وفي نفس اللحظة كان حكم المحكمة أن يظل الأطفال الثلاثة على اسمه ويرثونه بعد موته! وذلك تغليبا للقاعدة الشرعية في المذهب الحنفي "الولد للفراش".
لذلك، أتوجه إلى علمائنا الفضلاء في الأزهر الشريف، وأسال: هل مع كل هذا التقدم المذهل في علم الوراثة ووجود تحاليل البصمة الوراثية، أو إذا اكتشف الرجل أنه عقيم ولديه أولاد!
كيف يُجبر بسطوة القانون أن يربي أطفالا ليسوا منه؟
هل في هذه الحالة تعطيل للشرع إذا أخذنا بالعلم الحديث وغلبناه على القاعدة الشرعية؟ أي احتكمنا لتحاليل البصمة الوراثية؟
وهل يكون للمشرع هذا الحق انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بشئون دنياكم"؟
أعلم أن أمور النسب أمر ديني؛ ولكنه هنا يتماس مع ذلك التطور العلمي المذهل الذي نعيشه الآن في دنيانا، والذي يمكّننا بسهولة من خلال إجراء التحاليل من إثبات النسب أو نفيه.
فلماذا إذن لا يتم الحوار بين الأزهر متمثّلا في علمائه الأجلاء والمُشَرِع حتى نصل إلى حلٍ لهذه الأزمة الإنسانية التي يدفع ثمنها الأطفال؟
وإذا كان الإسلام حرّم التبني وأن يُنسب الابن لاسم غير اسم أبيه، ونزل هذا التشريع في سورة الأحزاب في قوله تعالى:(وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل َادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) الأحزاب 4-5 ۚ
أقول: إذا كان الشرع حرّم التبني وألزم بنسب الابن لأبيه؛ حرصا على عدم اختلاط الأنساب فكيف يقدم الأب تحليلا يُبرهن على عدم ثبوت النسب، ثم يكون حكم المحكمة بأن يُنسب الأطفال إلى اسمه؟ وكيف يرثون؟ وإذا تزوج هذا الرجل وأنجب فتاة من صلبه وبالطبع تحمل اسمه؛ هل تصبح أختا لشاب يحمل نفس اسم الأب وهو ليس من دمها ويحرم عليه زواجها إن أراد وهي حِل له؟
أنا لا أتصدى أبدا لفتوى أو لتشريع، فهذا ليس دوري، ولكني أتوجَه إلى أولي الأمر بهذه الأسئلة وتلك الاستفسارات التي تشغلني كمسلمة وتشغل قاعدة عريضة من المواطنين.
اسلوب رائع و سلس في طرح المشكلة و محاولة إيجاد حلول لها
ردحذفموضوع مهم و شائك بالفعل يحتاج إلى استجابة و رد واضح من الجهات المختصة
مقال جيد لأنه فعلا موضوع مهم وله أبعاد كثيرة مجتمعية ودينية
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفمقال رائع يوجه عدة رسائل مهمة للجهات المعنية ذات الصلة من أجل التعاون واستثمار معطيات العلم الحديث في وضع حد لفوضى الأحكام غير المستندة إلى أدلة دقيقة قاطعة. وفضلا عن ذلك يدعو المقال إلى إعلاء قيمة الستر ومراعاة السرية بما يحافظ على قيم المجتمع وتقاليده.
ردحذفبارك الله في الأستاذة الدكتورة حنان هانم شكري وأكثر من أمثالها.. اللهم آمين
ردحذف