التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شهادة لا يجب أن تُؤجل



بقلم/ فاطمة صابر


ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول:
نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها.
في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب…
رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش.

ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر.
اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم…
د. حنان شكري.

قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا.
عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم.

د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة…
هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف.

رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق.
لا تؤدي واجبها، بل تعيشه.
لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين.
هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أنها خُلقت لهذا المكان تحديدًا، لتكون ركيزة تحمي وتبني وتطوّر.

أنا لم أكن مجرد طالبة…
أنا كنت قصة.
قصة بدأت من كلية تكنولوجيا المعلومات، حيث كنت أعيش حلمًا رسمته لسنوات، حتى جاءت انتكاسة صحية فقدت بسببها ٨٠٪؜ من ذاكرتي.
دامت هذه المحنة ثلاث سنوات، وكنت خلالها أُعيد اكتشاف نفسي، أبحث عن شغف مفقود، وعن ذات جديدة تولد من رحم الألم.

دخلت كلية اللغات والترجمة بلا توقعات، بلا طموحات، فقط كنت أتنفس…
ولكن، من حيث لا أدري، بدأت الرحلة الحقيقة.
وفي قلب هذه الرحلة، كانت د. حنان…
إنسانة لم تعلم تفاصيل ما مررت به، ولكنها كانت من أسباب شفائي الأكاديمي والنفسي دون أن تدري بإذن الله.

شاهدت فيها صدقًا خالصًا…
في نظرتها، في هدوئها، في تعاملها، في إصرارها على أن تؤدي رسالتها بضمير نادر، بإخلاص فطري.
رأيت كيف ترى أن كل طالب مسؤولية، وكل مجموعة طلابية اختبار لها، كلما زاد العدد، زادت عندها النية في بذل المزيد، دون أن تشتكي، دون أن تنتظر كلمة شكر.

حتى حين أصبحت وكيلة للكلية، رأيت بأم عيني حجم الجهد الخفي الذي لا يُقال، لكن ملامح وجهها، نظرة عينيها، تحمل كل شيء…
تحمل همّ الكلية كلها، وكأنها أمٌّ تحتضن أبناءها، حتى من لم يطلب الحضن.

أنا لم أكن أتكلم معها كثيرًا، وكنت متعمدة أن أحتفظ برسمية التعامل معها، لأنني أدركت أن هذه الإنسانة حين تميل لمشاعر الطالب قد تظن أنها تخذل علمها.
فهي أمينة… تخاف على كل شيء من أن يُشوّه.

ولأنني فتاة خجولة، صامتة، لُقبت بـ”الهادئة”… كنت أتابع بصمت، لكنني أفهم، وأحلل، وأشعر.
وهوايتي في قراءة الوجوه (الفراسة) جعلتني أوقن أني أمام شخصية لا تُكرر، وأن ٩٠٪؜ من مجهودها يضيع في كواليس لا يراها أحد، لكنها تظهر في بركة النتائج، في صدق الأثر.

لهذا السبب أكتب اليوم، وأكسر صمتي.

لأني شعرت أن هناك شهادة يجب أن تُقال، ولأني إن لم أقلها، سأكون ممن كتموا الحق.
أنا لا أكتب لأمتدح فقط، بل لأقول الحقيقة التي من النادر أن تُقال.
في زمن نادر فيه الصدق، جاءت د. حنان شكري ود. أنس عطية كأدلة على أن الصلاح لا يزال ممكنًا، وأن الجامعة التي تُنصفهم ستنجح، لأنها اختارت أن تسلط الضوء على من يستحق.

لم أكن أتصور أن بعد تأثير والدي، يمكن لشخص أن يترك فيّ هذا الأثر العميق.
لكن د. حنان، بإنسانيتها وعلمها وضميرها، فعلت.

وفي الختام، أقول:

هذه شهادة لا أملك تأجيلها، لأنها حقّ، ولأن الصدق لا يُخبأ… والصمت هنا ظلم
شخصيات مثل د. حنان شكري ود. أنس عطية لا تتكرر، ولا تُنصف بسهولة، وأشعر أن من واجبي، كطالبة قبل أي شيء، أن أُسهم في إظهار جوهرهم، حتى لو بكلمة.

وإن كان لي من دعاء، فأسأل الله أن يحفظهم، ويزيدهم رفعة، ويجعل لهم في كل طريق بركة، وأن يكثر من أمثالهم… بل من قلوبهم، لأن مثل هذه القلوب لا تُعوّض.


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...