بقلم/ فاطمة صابر
ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول:
نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها.
في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب…
رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش.
ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر.
اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم…
د. حنان شكري.
قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا.
عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم.
د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة…
هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف.
رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق.
لا تؤدي واجبها، بل تعيشه.
لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين.
هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أنها خُلقت لهذا المكان تحديدًا، لتكون ركيزة تحمي وتبني وتطوّر.
أنا لم أكن مجرد طالبة…
أنا كنت قصة.
قصة بدأت من كلية تكنولوجيا المعلومات، حيث كنت أعيش حلمًا رسمته لسنوات، حتى جاءت انتكاسة صحية فقدت بسببها ٨٠٪ من ذاكرتي.
دامت هذه المحنة ثلاث سنوات، وكنت خلالها أُعيد اكتشاف نفسي، أبحث عن شغف مفقود، وعن ذات جديدة تولد من رحم الألم.
دخلت كلية اللغات والترجمة بلا توقعات، بلا طموحات، فقط كنت أتنفس…
ولكن، من حيث لا أدري، بدأت الرحلة الحقيقة.
وفي قلب هذه الرحلة، كانت د. حنان…
إنسانة لم تعلم تفاصيل ما مررت به، ولكنها كانت من أسباب شفائي الأكاديمي والنفسي دون أن تدري بإذن الله.
شاهدت فيها صدقًا خالصًا…
في نظرتها، في هدوئها، في تعاملها، في إصرارها على أن تؤدي رسالتها بضمير نادر، بإخلاص فطري.
رأيت كيف ترى أن كل طالب مسؤولية، وكل مجموعة طلابية اختبار لها، كلما زاد العدد، زادت عندها النية في بذل المزيد، دون أن تشتكي، دون أن تنتظر كلمة شكر.
حتى حين أصبحت وكيلة للكلية، رأيت بأم عيني حجم الجهد الخفي الذي لا يُقال، لكن ملامح وجهها، نظرة عينيها، تحمل كل شيء…
تحمل همّ الكلية كلها، وكأنها أمٌّ تحتضن أبناءها، حتى من لم يطلب الحضن.
أنا لم أكن أتكلم معها كثيرًا، وكنت متعمدة أن أحتفظ برسمية التعامل معها، لأنني أدركت أن هذه الإنسانة حين تميل لمشاعر الطالب قد تظن أنها تخذل علمها.
فهي أمينة… تخاف على كل شيء من أن يُشوّه.
ولأنني فتاة خجولة، صامتة، لُقبت بـ”الهادئة”… كنت أتابع بصمت، لكنني أفهم، وأحلل، وأشعر.
وهوايتي في قراءة الوجوه (الفراسة) جعلتني أوقن أني أمام شخصية لا تُكرر، وأن ٩٠٪ من مجهودها يضيع في كواليس لا يراها أحد، لكنها تظهر في بركة النتائج، في صدق الأثر.
لهذا السبب أكتب اليوم، وأكسر صمتي.
لأني شعرت أن هناك شهادة يجب أن تُقال، ولأني إن لم أقلها، سأكون ممن كتموا الحق.
أنا لا أكتب لأمتدح فقط، بل لأقول الحقيقة التي من النادر أن تُقال.
في زمن نادر فيه الصدق، جاءت د. حنان شكري ود. أنس عطية كأدلة على أن الصلاح لا يزال ممكنًا، وأن الجامعة التي تُنصفهم ستنجح، لأنها اختارت أن تسلط الضوء على من يستحق.
لم أكن أتصور أن بعد تأثير والدي، يمكن لشخص أن يترك فيّ هذا الأثر العميق.
لكن د. حنان، بإنسانيتها وعلمها وضميرها، فعلت.
وفي الختام، أقول:
هذه شهادة لا أملك تأجيلها، لأنها حقّ، ولأن الصدق لا يُخبأ… والصمت هنا ظلم
شخصيات مثل د. حنان شكري ود. أنس عطية لا تتكرر، ولا تُنصف بسهولة، وأشعر أن من واجبي، كطالبة قبل أي شيء، أن أُسهم في إظهار جوهرهم، حتى لو بكلمة.
وإن كان لي من دعاء، فأسأل الله أن يحفظهم، ويزيدهم رفعة، ويجعل لهم في كل طريق بركة، وأن يكثر من أمثالهم… بل من قلوبهم، لأن مثل هذه القلوب لا تُعوّض.
https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html
تعليقات
إرسال تعليق