بقلم/ د. نجلاء الورداني في السنوات الأخيرة، بدا وكأن الفن الإذاعي العريق ينهض من سباته الطويل، يعود مفعماً بالحياة عبر فضاءات لم يكن يوماً جزءاً منها؛ منصّات مثل فيسبوك ويوتيوب وتطبيقات البثّ الصوتي التي تحوّلت إلى بديل عصري للراديو القديم. لم يعد المستمع مضطراً لانتظار موعد ثابت، ولا للجلوس أمام جهاز يلتقط موجات متقطّعة، بل صار بإمكانه الدخول إلى عالم الدراما الإذاعية بضغطة زر، يستمع متى شاء، ويعيد، ويشارك، ويمنح هذا الفن حضوراً يتجاوز ما عرفه في زمنه الذهبي. ومع هذا التحوّل، وجد كثيرون أن المسلسلات الإذاعية امتلكت روحاً جديدة؛ فحين تنتقل الأعمال التي قدّمها عمالقة مثل سناء جميل وكريمة مختار وعبدالرحيم الزرقاني إلى فضاء الإنترنت، يكتشف الجمهور – وخاصة الأجيال الأصغر – أنهم أمام كنوز فنية تحمل دفئاً وصدقاً لا يقدّمه سوى الصوت وحده. أعمال مثل “ألف ليلة وليلة” بصوت هؤلاء الكبار، حين تبثّ على يوتيوب بجودة مُحسّنة، تتحوّل إلى رحلة حسية كاملة، تجعل المستمع يرى دون أن يرى، ويشعر دون أن يحتاج إلى شاشة. ثم تأتي أعمال جديدة بصوت نجوم معاصرين لتؤكد أن الدراما الإذاعية ليست مجرد ميراث يُعاد ...
بقلم/ د. نجلاء الورداني في زمنٍ تُثقِل فيه الضوضاءُ الأرواح، وتتناسل فيه الأصوات حتى تكاد تطغى على المعاني، بزغ برنامج "دولة التلاوة" كنافذة مضيئة تعيد للأذن شيئًا من أُنس القرآن وجلال حضوره. بدا المشهد في لحظاته الأولى واعدًا؛ فكرة تتوهّج بقدسية رسالتها، وتحلم بإحياء مدرسة تلاوةٍ أصيلة كان ظلّها الطويل مسندًا للوجدان العربي والإسلامي عبر عقود. غير أنّ البدايات المشرقة كثيرًا ما تحمل في عمقها ظلالًا لا تتبدّى إلّا مع توالي الخطوات. ومع امتداد حلقات البرنامج، ظهر أنّ هذه “الدولة” التي رُفعت رايتها لتكريم القرّاء، تُهدر— من حيث لا تقصد — أصواتًا كان يمكن أن تشكّل ملامح مدرسة جديدة لو أُتيح لها أن تتنفس خارج ضيق المنافسة. فبدلًا من أن تكون التلاوة فضاءً للتذوّق الروحي، تحوّل المشهد إلى سباق تحكمه نقاط التحكيم، وتُعمِّده تقاليد العرض التلفزيوني، وتعيد صوغ الموهبة كسلعة تخضع لاعتبارات الصورة وإيقاع الإبهار. والتلاوة — في جوهرها — عبادة لا تعترف بأضواء المسرح. خشوعها لا يُقاس بالتصويت، وصفاؤها لا يُختبر أمام الكاميرات. فالقرآن الذي نزل ليُتلى على قلوب تتطهّر، لا على منصات تتنافس، أ...