بقلم/ رانيا الفقي عندما ننظر إلى الساعة الرملية، نرى ذرات الرمال تتساقط منها بهدوء بمرور الوقت، حتى تنتهي جميعها. وفي كثير من الأحيان لا نلاحظ هذا التغيّر يوميًا، لأن التساقط يتم ببطء، لكننا في النهاية نتفاجأ بأن الرمال قد نفذت ونتساءل: كيف حدث ذلك؟ ومتى؟ ألم تكن ممتلئة بالأمس؟ وفي تلك اللحظة، لا نملك سوى أن نقلب الساعة لتبدأ رحلتها من جديد. لكن… ماذا لو حدث لنا نحن الشيء ذاته؟ أن تنفذ طاقتنا تدريجيًا كالساعة الرملية دون أن نشعر، بل ربما أسرع، تبعًا لما نمرّ به من مواقف وصعوبات، حتى نصل إلى الحد الذي ينكسر فيه الإطار الزجاجي، ونتناثر كما تتناثر ذرات الرمال، ولا نقدر على لملمة شتات أنفسنا. هل سنستطيع وقتها أن نعيد ترتيب أوراقنا ونبدأ الرحلة من جديد؟ أم كان الأجدر بنا أن نستعيد أنفسنا في كل مرة شعرنا فيها بالتعب؟ شعرنا أننا استُنزفنا، في كل مرة نظرنا في المرآة فلم نكن نحن، بل مجرد صور تشبهنا خارجيًا، بينما ما بداخلنا لم يعد كما كان. في كل مرة تركنا أنفسنا للحياة تعصف بنا كيفما تشاء، أو أُجبرنا على السير في طريق لا يشبهنا، ألم يكن الأجدر أن نعيد شحن طاقتنا قبل أن تنفذ تمامًا؟ أو نملك الطا...
بقلم أ.د. عزة شبل محمد أستاذة اللغويات بكلية الآداب في جامعة القاهرة وأستاذة اللغويات بكلية الدراسات الأجنبية في جامعة أوساكا باليابان امتدت يده عبر فتحة ضيقة من زجاج النافذة الأسود، وأخذ منها واحدة، وقبل أن تمتد يدها، تطايرت النقود المبعثرة، وتطايرت هي معها في سباق محموم، بعد أن انطلقت سيارته الفارهة، وعلت ابتسامة بائسة وجهها الأسمر النحيل. ما زال معها الكثير، لم تستطع التخلص إلا من واحدة، وقد أوشك الظلام أن يغيم. تقدمت باستحياء ممسكة بأخرى، واقتربت أكثر وأكثر، لكن ملابسها المتسخة، وعينيها الغائرتين كانتا تدفعان السيارات للسباق مع الريح في الممرات الضيقة. تحسست البقع الزرقاء المتفرقة التي ترقد على جسدها النحيل، لم يكن هناك أمل في النجاة. استجمعت قواها، واقتحمت الميدان، فإذا بالفوضى تعم الميدان، وأصوات الضجيج تعلو وتعلو، لتجد أختها الكبرى ملقاةً على الجانب الآخر من الطريق. نظرات متبادلة يملؤها الفزع والفقر والجوع، والمارة يعبرون هنا وهناك. لفَّ السكون الميدان، وعمَّ الصمت، وتحول الميدان إلى قبر ابتلع الفتاتين. لمعت فكرة وسط هذا السكون، حاولت الصغرى تقل...