التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

الاقتصاد الأخضر داخل الأسرة… طريقنا نحو مستقبل مستدام

بقلم/ د. إيمان شاهين لم يعُد الاقتصاد الأخضر مجرّد حديثٍ عن البيئة، بل أصبح منهجًا متكاملًا للحياة، يربط بين ترشيد الاستهلاك، وصون الموارد، وتحقيق الرفاه للأسرة والمجتمع في آنٍ واحد. فالبيت هو اللبنة الأولى في بناء الاستدامة، وربة الأسرة هي القائد الحقيقي الذي يصنع التغيير من داخل الجدران، حين تُحوِّل الوعي إلى سلوكٍ يوميٍّ، والاهتمام بالبيئة إلى أسلوب حياة. ولكي تتحقق هذه الرؤية، يمكن اتباع مجموعة من الخطوات العملية البسيطة ذات الأثر الكبير: أولًا: حدّدي احتياجاتك بدقة تجنّبي الشراء العشوائي، وضعي قائمة بالمطلوب قبل الخروج إلى السوق، فالتخطيط الواعي يمنع الإسراف، ويحافظ على المال والغذاء معًا. ثانيًا: وفّري في استهلاك الطاقة والمياه أطفئي الأنوار غير الضرورية، واستخدمي المصابيح الموفِّرة للطاقة، ولا تتركي الصنبور مفتوحًا أثناء الاستخدام، فكل قطرةٍ موفَّرة تسهم في حماية كوكبنا. ثالثًا: اجعلي من المخلّفات موارد جديدة فكثيرٌ مما نُلقيه يمكن أن يُعاد توظيفه؛ كالبرطمانات الزجاجية، وبقايا الأقمشة التي يمكن تحويلها إلى مفارش أو أدوات منزلية جميلة. هكذا نُقلّل النفايات ونُبدع في الوقت نفسه. ر...
آخر المشاركات

افتعال المشكلات يضرُّ بأمان البيت وراحة الأبناء

  بقلم المستشارة/ شيماء سحاب - المحامية بالنقض إنّ الحبَّ والمودة والاحترام المتبادل بين الزوجين هي الأعمدة التي يقوم عليها بيت الزوجية السعيد، فحين يسود الودّ والرحمة بين الزوجين، يتحوّل البيت إلى جنةٍ على الأرض، تفيض دفئًا وسكينةً وطمأنينة. غير أنّ الواقع يشهد كثيرًا من الخلافات والمنازعات بين الأزواج، قد تتفاقم أحيانًا لتصل إلى أقسام الشرطة أو ساحات المحاكم، وحينها يغيب صوت العقل، ويحلّ محلّه دافع الانتقام، وينسى الطرفان أن هناك ضحايا أبرياء يدفعون الثمن — إنهم الأبناء. فالأطفال الذين ينشأون في بيتٍ مليءٍ بالصراخ والمشكلات، تغيب عنه المحبة والاحترام، يحملون في داخلهم جراحًا لا تُرى، لكنها تترك آثارها العميقة في نفوسهم. كثير منهم يكبرون وهم يعانون اضطرابات نفسية، أو يميلون إلى العنف أو الإدمان، لأنهم فقدوا في صغرهم الشعور بالأمان والحنان. إنّ التفكك الأسري لا يُدمّر بيتًا واحدًا فحسب، بل يُضعف المجتمع بأسره. أما البيوت التي تُبنى على أساسٍ من الحب والاحترام، فهي بيوتٌ تُخرّج أبناءً صالحين، رجالًا ونساءً أسوياء، يعرفون معنى الانتماء، ويملكون وعيًا اجتماعيًا سليمًا، لأنهم تربّو...

الطفولة إذ تنتحر

  بقلم/ د. نجلاء الورداني هزّت قضية الطفل أيمن يوسف، تلميذ الصف السادس الابتدائي، الذي أقدم على قتل زميله محمد، وجدان المجتمع المصري والعربي بأسره، ليس لأنها جريمة قتل عادية، بل لأنها جريمة ارتكبها طفل بحق طفل، في سن يُفترض أن تكون فيه البراءة عنوانًا والسلوك الطفولي الطبيعي هو السائد. إن ما حدث يكشف عن أزمة واضحة في منظومة التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية في المجتمع، ويطرح تساؤلات خطيرة: كيف يمكن لطفل في الثانية عشرة أن يحمل نية القتل؟ ما الذي زرع في داخله هذا القدر من الفلظة والانتقام؟ وما الذي غاب عن الأسرة المصرية والمدرسة والمجتمع حتى وصل بنا الحال إلى أن يتحوّل الصغار إلى قتلة وضحايا في آنٍ واحد؟ لقد جسدت هذه الحادثة المأساوية تحوّل الطفولة من مساحة للأمان إلى ساحة للعنف والانتقام، نتيجة تراكمات من الإهمال الأسري، والتطبيع مع مشاهد العنف في الإعلام والألعاب الإلكترونية، إلى جانب ضعف الرقابة والتوجيه النفسي والسلوكي داخل المدارس. فالطفل الذي يفتقد الحوار والاحتواء، ويعيش في بيئة يختلط فيها القسوة بالحرمان خاصة الحرمان العاطفي، يصبح أكثر عرضة لتبني سلوك عدواني لا يعي حدوده...

حين يكون الصبر هو النصر: قراءة عابرة في قصة «نجح في الاختبار» للأديب عبد الرحمن هاشم

بقلم الأديبة الناقدة/ د. نجلاء الورداني تمثل  قصة " نجح في الاختبار! " نصًا رمزيًا بليغًا يعيد إلى الواجهة سؤالًا إنسانيًا خالدًا: كيف يتحمل الإنسان الظلم بكل ما فيه من قسوة ومشقة وبغض وعذاب، ثم يخرج منه منتصرًا في النهاية، لا بالثأر أو الغلبة، بل بالصبر والثبات والاحتساب والإيمان؟ في مشهد تصويري بسيط في ظاهره، عميق في دلالته، يصوّر الكاتب خطيبًا يقف بين الجماهير بعد غارةٍ ظالمةٍ أدمت القلوب قبل أن تهدم البيوت. لم يأتِ خطابه ليبكي الهزيمة ويشعرنا الويلات والدمار، بل ليكشف لنا أن للنصر وجوهًا كثيرة، وأن الهزيمة قد تكون وجهًا آخر من وجوه النصر لمن أحسن الصبر والتبصر وصدق في إيمانه.  فتأتي كلماته تشبه شعاع نور خارج من بين أحضان الدمار: "لمَ تحصرون معنى النصر في صورٍ بعينها لا تعرفون غيرها؟ ألا فاعلموا أن للنصر وجوهًا شتّى، وقد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند أولي النظرة القصيرة..." بهذه العبارات، يضع الكاتب أمامنا المفارقة الكبرى بين الانتصار الظاهري والهزيمة الباطنية، وبين الانكسار المادي والنصر الداخلي. فإبراهيمُ عليه السلام، كما يقول الخطيب، لم يكن مهزومًا حين أُلقي في...

نجح في الاختبار!

  قصة بقلم/ عبد الرحمن هاشم قام خطيبًا في الجماهير عقب غارةٍ صدّعت القلوب قبل البيوت، واستشهد فيها الصغار قبل الكبار، والنساء قبل الرجال. وقف بينهم شامخًا، صوته ينساب كبلسمٍ على الجراح، يهدّئ من روعهم، ويشدّ على أيديهم، ويوصيهم بالثبات قائلاً: «لِمَ تحصرون معنى النصر في صورٍ بعينها لا تعرفون غيرها؟ ألا فاعلموا أن للنصر وجوهًا شتّى، وقد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند أولي النظرة القصيرة. إبراهيمُ عليه السلام أُلقي في النار، ومع ذلك لم يتزعزع إيمانه بالله؛ أكان في موقف نصرٍ أم هزيمة؟ لا شكَّ أنه في قمة النصر وهو يُلقى في النار، كما كان في نصرٍ آخر حين نجا منها. والحسينُ عليه السلام حين استُشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، والمفجعة من جانبٍ آخر، أكان مهزومًا؟ عند أهل النظر القاصر، نعم، ولكن في ميزان الحقيقة الخالصة كان منتصرًا؛ فما من شهيدٍ في الأرض تهفو إليه القلوب، وتهتز له الجوانح حبًا وحنينًا وفداءً كالحسين عليه السلام!» وما إن أنهى خطبته، وصلّى بالناس، وخرج من المسجد، حتى اخترق صدره رصاصُ الغدر. سقط مضرجًا بدمه الطاهر، والجموعُ من حوله تهتف بحياة الشهيد. لم يبكوه، بل أبصروا ...

في ذكرى الإمام عبدالحليم محمود

بقلم: د. وليد الإمام مبارك في السابع عشر من أكتوبر تحل ذكرى رحيل الإمام الأكبر عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف، العارف بالله، وشيخ المتصوفين في القرن العشرين، الرجل الذي جمع بين العلم والحال، وبين الشريعة والحقيقة، فكان إمامًا في الفقه والفكر، ووليًّا في السلوك والروح. كان عبدالحليم محمود مثالًا للزهد والعلم والعمل، عُرف بسمته وورعه وتواضعه، محبًّا للفقراء، قويًّا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، اتسمت مشيخته للأزهر بالعزة والصلابة في الدفاع عن الدين، فكان حقًا إمامًا للأمة، وعالمًا ربانيًا. طفولة ونشأة وُلد الإمام عبدالحليم محمود عام 1910 بقرية أبو أحمد بمحافظة الشرقية، وتلقى تعليمه بالأزهر حتى نال العالمية، ثم أوفد في بعثة إلى فرنسا حيث درس الفلسفة وتاريخ الأديان، وتوّج دراسته بالحصول على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عن رسالته الشهيرة «التصوف الإسلامي عند الحارث المحاسبي»، التي عُدّت من أهم الدراسات المقارنة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي في مجاله. موقف لا يُنسى في فرنسا تُروى عنه قصة تجلّت فيها عفته وإيمانه، إذ عندما اقترح أحد أساتذته في فرنسا أن تُدرّسه فتاة اللغة الفرن...

كيف نحمي أبناءنا من العزلة الرقمية؟

كتبت مروة علاء الدين: في الماضي كانت الأسرة تجتمع حول مائدة واحدة، ويتشارك الجميع الحديث والضحك والذكريات. أما اليوم، فقد تغيّر المشهد تمامًا، وأصبح كل فرد يعيش داخل عالمه الخاص، تحيط به الشاشات من كل جانب. طفل يمسك هاتفه، وآخر يتابع مقاطع الفيديو، وأم تتابع مواقع التواصل، وأب منشغل برسائل العمل. وبين هذه الشاشات يضيع الحوار، ويغيب الدفء، وتولد ما يُعرف بالعزلة الرقمية. توضح الدكتورة إيمان شاهين أن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا نفسها، فهي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، بل في الطريقة التي نتعامل بها معها. فالتقنية التي كان من المفترض أن تُقرّبنا من بعضنا البعض، أصبحت أحيانًا تُبعدنا أكثر. حين يقضي الطفل ساعات طويلة أمام الشاشة، يعتاد سرعة الصور والمشاهد المتغيرة، فيفقد تدريجيًا صبره على الواقع الهادئ. لا يعود يستمتع بالحديث مع أسرته أو اللعب مع أصدقائه، بل يجد راحته في العالم الافتراضي الذي يمنحه ما يشاء بضغطة واحدة. ومع مرور الوقت، تتحول هذه العادة إلى انعزالٍ عاطفي واجتماعي، فيبدو الطفل حاضرًا بجسده، غائبًا بروحه. وترى الدكتورة شاهين أن الحل ليس في المنع، لأن المنع وحده لا يصنع الوعي...