بقلم/ د. نجلاء الورداني في زمنٍ تُثقِل فيه الضوضاءُ الأرواح، وتتناسل فيه الأصوات حتى تكاد تطغى على المعاني، بزغ برنامج "دولة التلاوة" كنافذة مضيئة تعيد للأذن شيئًا من أُنس القرآن وجلال حضوره. بدا المشهد في لحظاته الأولى واعدًا؛ فكرة تتوهّج بقدسية رسالتها، وتحلم بإحياء مدرسة تلاوةٍ أصيلة كان ظلّها الطويل مسندًا للوجدان العربي والإسلامي عبر عقود. غير أنّ البدايات المشرقة كثيرًا ما تحمل في عمقها ظلالًا لا تتبدّى إلّا مع توالي الخطوات. ومع امتداد حلقات البرنامج، ظهر أنّ هذه “الدولة” التي رُفعت رايتها لتكريم القرّاء، تُهدر— من حيث لا تقصد — أصواتًا كان يمكن أن تشكّل ملامح مدرسة جديدة لو أُتيح لها أن تتنفس خارج ضيق المنافسة. فبدلًا من أن تكون التلاوة فضاءً للتذوّق الروحي، تحوّل المشهد إلى سباق تحكمه نقاط التحكيم، وتُعمِّده تقاليد العرض التلفزيوني، وتعيد صوغ الموهبة كسلعة تخضع لاعتبارات الصورة وإيقاع الإبهار. والتلاوة — في جوهرها — عبادة لا تعترف بأضواء المسرح. خشوعها لا يُقاس بالتصويت، وصفاؤها لا يُختبر أمام الكاميرات. فالقرآن الذي نزل ليُتلى على قلوب تتطهّر، لا على منصات تتنافس، أ...
بقلم الناقدة الأدبية د. نجلاء الورداني تقدّم قصة "داير" المنشورة بموقع العالم اليوم نيوز ( https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2025/11/blog-post_27.html ) للكاتب عبد الرحمن هاشم، نصًّا سرديًّا مكثفًا يلتقي فيه الواقعي بالروحاني، ويتجاور فيه الهامشيون مع الأولياء، في إطار حكائي يطرح أسئلة عميقة حول العدالة والرحمة والخلاص. فهي ليست مجرد حكاية عن لصّ يتوب، بل نصّ محكم يقرأ المجتمع المصري من زاوية الفضاءات الدينية الشعبية، ويعيد تقديم صورة الإنسان الهشّ الذي يبحث عن مأوى روحاني ينقذه من العتمة. منذ الوهلة الأولى يعرض الكاتب بطله "داير" بوصفه شخصية مهمّشة، نتاجًا لغياب الأسرة وضغوط الشارع ومأوى لا يرحم . ليس شريرًا بالفطرة، بل مكسورًا وفاقدًا للسند، يسرق لا رغبة في الجريمة بل دفاعًا عن بقائه. غير أن القصة لا تكتفي بتقديم خلفيته الاجتماعية، بل تبني شخصيته عبر استرجاع يقف عند حادثة ماضية في القطار، تبرز قسوة المجتمع في التعامل مع المهمّشين وتكشف مفارقة لافتة: "القطارات غادرة… أمّا المساجد فرحمة". بهذه الجملة يضع الكاتب تصوّره للعالم: فضاءات دينية حانية، وأخر...