التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أ.د. سهير فهمي: عندما تتحدث الكفاءة وتنتصر الرؤية


 بقلم/ د. وليد الإمام مبارك

حين تُكمل مؤسسة علمية بحجم كلية العلوم – جامعة القاهرة قرنًا من الزمان، فإنها لا تحتفل فقط بالسنوات، بل بما رسّخته من قيم، وما أنجبته من رموز، وما صنعته من تأثير.

وفي عام المئوية بالذات، تختار الكلية أن تفتح الباب أمام فصل جديد عنوانه: المرأة في القيادة.

لم يكن تعيين الأستاذة الدكتورة سهير رمضان فهمي كأول عميدة لكلية العلوم مجرد قرار إداري أو ترتيب وظيفي، بل كان إعلانًا واضحًا بأن المرأة باتت في قلب منظومة اتخاذ القرار العلمي، وبأن معايير الاختيار في المؤسسات العريقة باتت تُصغي للكفاءة قبل كل شيء.

الدكتورة سهير ليست وجهًا جديدًا في ساحة العلم، لكنها اليوم أصبحت وجهًا جديدًا للقيادة العلمية النسائية، تُمثل صوتًا يحمل رسالة التمكين والإيمان بقدرات المرأة.

رحلة د. سهير هي خلاصة عقود من العطاء الأكاديمي والبحث العلمي والتواصل الإنساني مع أجيال من الطلاب والباحثين. فهي لم تصل إلى كرسي العمادة صدفة، بل جاءت عبر سلم من الاجتهاد والالتزام والتميز.

تعيينها اليوم هو أيضًا تعيينٌ رمزي لكل الباحثات الشابات، ولكل فتاة تدرس في كلية العلوم وتحلم بمستقبل قيادي، ولكل أستاذة تنتظر فرصة عادلة لإثبات ذاتها.

وفي هذا السياق، لا يمكن أن نغفل ذكر العالمات المصريات الرائدات اللواتي مهدن الطريق، وعلى رأسهن د. سميرة موسى، أول عالمة ذرة مصرية، التي قدمت حياتها في سبيل العلم والوطن. لقد كسرت د. سميرة حواجز النوع في زمن كانت فيه المرأة نادرة في ساحات العلم، ورفعت اسم مصر عاليًا في المحافل الدولية. وكذلك لا ننسى العالمات الرائدات في مجالات الكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا، ممن تخرجن في كلية العلوم وأسهمن في بناء نهضة علمية صامتة، لم تجد دائمًا ما تستحقه من الاعتراف والتقدير. واليوم، تعيين د. سهير هو امتداد لتلك المسيرة الملهمة، ووعد بمستقبل أكثر إنصافًا وتمكينًا.

في مثل هذه الذكرى – مئة عام – لا بد للكلية أن تُعيد تعريف دورها، لا كمؤسسة علمية فقط، بل كبيت للقيم والتجديد والعدالة. وإن تعيين امرأة في منصب العمادة لأول مرة في هذه المناسبة التاريخية، يُجسّد تجديدًا حقيقيًا للهوية المؤسسية، وعودة إلى روح الجامعة التي أسسها علي مصطفى مشرفة ورفاقه، لتكون لكل المصريين، رجالًا ونساءً، على حد سواء.

لقد ظلّت المرأة لعقود طويلة عنصرًا فعّالًا على هامش المؤسسات، تقدم، تساهم، تُدرّس، تُنتج، دون أن تصل إلى مركز القيادة. واليوم، تتقدّم المشهد الأكاديمي، لا كزينة رمزية، بل كمحور فاعل في البناء والتطوير.

د. سهير فهمي تمثل هذه النقلة بامتياز. إنها عنوان لتحوّل ولكنه أكيد في نظرة المجتمع الأكاديمي للمرأة. وهي، في مئوية الكلية، ليست فقط أول عميدة، بل رمزٌ لمرحلة ناضجة من الوعي المؤسسي.

الأنظار الآن تتجه إلى المستقبل. ومع قيادة د. سهير، نأمل أن تتحول كلية العلوم إلى نموذج حقيقي لتمكين المرأة علميًا ومؤسسيًا، وأن يصبح وجود المرأة في المناصب العليا أمرًا معتادًا لا يُحتفل به لأنه نادر، بل لأنه طبيعي.

في الذكرى المئوية لكلية العلوم، لا نكتفي باستحضار الماضي، بل نُعيد رسم ملامح المستقبل.

وفي تعيين الدكتورة سهير رمضان فهمي، نقرأ رسالة علم، ورسالة أمل، ورسالة تمكين.هي ليست فقط أول امرأة في منصب العميد، بل هي بوابة عبور لعصرٍ جديد، تقف فيه المرأة حيث يجب أن تكون: في قلب القرار، وفي صدارة المشهد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات ...

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين. هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...