التخطي إلى المحتوى الرئيسي

د. حنان حسن بلخي: اللاجئونَ والمهاجرونَ يواجهون عقباتٍ في الحصولِ على الرعايةِ الصحيةِ



نص الكلمة الافتتاحية للدكتورة حنان حسن بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط أمام الاجتماع التقني العالمي الرفيع المستوى بشأن الأمراض غير السارية في الأوضاع الإنسانية تحت عنوان: بناء نُظُم صحية قادرة على الصمود لا تُغفِل أحدًا

كوبنهاجن، الدانمرك 27 - 29 شباط/ فبراير 2024

‫أصحابَ المعالي والسعادةِ، الضيوفُ الكِرام، السيداتُ والسَّادة،‬‬

إنه لمِن دواعِي الشرفِ أن أرحِّبَ بكم جميعًا في الِاجتماعِ التقنيِّ العالميِّ الرفيعِ المستوى بشأنِ الأمراضِ غيرِ الساريةِ في الأوضاعِ الإنسانيةِ. فوجودُكم هنا اليومَ إنما يعكسُ التزامَكم بجهودِنا الجماعيةِ الراميةِ إلى مواجهةِ التحدي الذي تَفرِضُه علينا الأمراضُ غيرُ الساريةِ، وبناءِ نُظُمٍ صحيةٍ قادرةٍ على الصمودِ لا تُغفِلُ أحدًا. 

وأودُّ أن أتوجهَ بالشُّكر الخاص للدكتور هانس كلوغ، المديرِ الإقليميِّ لأوروبا، على استضافتهِ الكريمةِ هذا الحدثَ الرائعَ. وإذ أُعربُ عن خالصِ امتناني لحكومةِ الدانمرك لاستضافتِها هذا الحدثَ المهمَّ، أتقدَّمُ بخالصِ الشكرِ للمفوضيَّةِ الساميةِ لشؤونِ اللاجئينَ، ولِزملائي في منظمةِ الصحةِ العالميةِ على جهودِهمُ التنظيميةِ التي تعكِسُ العملَ المشتركَ في مجالِ التصدي للأمراضِ غيرِ الساريةِ في الأوضاعِ الإنسانيةِ.

ويعيشُ في إقليمِ منظمةِ الصحةِ العالميةِ لشرقِ المتوسطِ ما يَقرُبُ مِن سَبْعِمائةٍ وخمسةٍ وأربعينَ مليونَ نسمةٍ. ومن بين هؤلاء، يوجد مائةٌ وأربعون مليونَ شخصٍ يحتاجون إلى مساعداتٍ إنسانيةٍ. أي شخصٌ واحدٌ تقريبًا مِن كلِّ خمسةِ أشخاصٍ. كما أن الإقليمَ مسؤولٌ عن ثمانيةٍ وخمسين في المائةِ منَ اللاجئين في العالَمِ، ويَقطُنُه ثلاثةٌ وثلاثون مليونًا وسَبْعُمائةِ ألفِ شخصٍ تعرَّضُوا للنزوح القسري. ومن بينِ بُلدانِ الإقليمِ وأراضِيه البالغِ عددُها اثنين وعشرين بلدًا وأرضًا، هناك ثلاثةَ عشَرَ  بلدًا متضررًا على نحوٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ منَ النزاعاتِ. ويُصنِّفُ البنكُ الدَّوْليُّ وضْعَ تسعةٍ من تلكَ البُلدانِ والأراضي على أنَّهُ «هشٌّ أو متضرِّرٌ من النزاعِ». 

السيداتُ والسادةُ،

نجتمعُ اليومَ تقديرًا للِاحتياجاتِ المُلحَّةِ للأشخاصِ المتعايشينَ مع الأمراضِ غيرِ الساريةِ في الأوضاعِ الإنسانيةِ. 

والإحصاءاتُ في هذا الصدَدِ تبعثُ على القلقِ؛ إذ يُعزَى ثُلُثا الوَفَيَاتِ السنويةِ في إقليمِ شرقِ المتوسطِ إلى الأمراضِ غيرِ الساريةِ. 

ويتراوحُ احتمالُ الوفاةِ المبكرةِ الناجمةِ عنِ الأمراضِ غيرِ الساريةِ بينَ سبعة عشر فاصل ثمانية في المائةِ في الأوضاعِ غيرِ الهشةِ أو المتأثرةِ بالنزاعاتِ وخمسةٍ وعشرين فاصل واحد في المائةِ في الأوضاعِ الهشةِ أو المتأثرةِ بالنزاعاتِ. 

فحالاتُ النَّوْباتِ القلبيةِ والسكتاتِ والربْوِ قد تتضاعفُ مرتيْنِ، بلْ ثلاثَ مراتٍ، مباشرةً بعدَ وقوعِ كارثةٍ ما. 

ومن بينِ الِاحتياجاتِ الصحيةِ الأشدِّ إلحاحًا أثناءَ الأزماتِ ضمانُ مواصلةِ تقديمِ خِدْماتِ الأمراضِ غيرِ الساريةِ، لا سيَّما فيما يتعلَّقُ بالأمراضِ المزمِنةِ، مِثْلِ الغسيلِ الكُلويِّ، وعلاجِ السرطانِ، وتوافُرِ الأنسولينْ لمرضى السُّكَّرِيِّ، والتدبيرِ العلاجيِّ لأمراضِ القلبِ والأوعيةِ الدمويةِ، إلى جانبِ حالاتِ الصِّحةِ النفسيةِ وتعاطي الموادِّ.

ويمثِّلُ النزاعُ الدائرُ في قطاعِ غزَّةَ إحدى أكثرِ الأزماتِ إثارةً للتحدي في تاريخِ الإقليمِ الحديثِ. وقد استنفدَ الصراعُ النِّظامَ الصِّحيَّ الذي يعاني بالفِعْل من نقصِ المواردِ. حيث لَقِيَ الآلافُ حتفَهم أو أُصيبوا بجروحٍ، ونزَحَ أكثرُ من مليونٍ وسِتِّمائةِ ألفِ شخصٍ، منهم ثلاثُمائةٍ وخمسونَ ألفَ شخصٍ يعانون من حالاتٍ مُزْمنةٍ. ولا يُمكنُ لغزَّة أنْ تأملَ في إعادةِ بناءِ بِنْيَتِها الأساسيَّةِ الصِّحيةِ وتوفيرِ الخدماتِ الطبيةِ الجوهريةِ لسُكانِها المُعرَّضينَ للخطرِ إلا من خلال السَّلامِ والاستقرارِ.

وقبلَ الحربِ، كانَ السودانُ يشهدُ إصلاحًا قويًّا للنظام الصحي، لكن معَ دُخولِهِ الشَّهْرَ العاشرَ منَ الصِّراعِ، وصلَ النِّظامُ الصِّحيُّ فيه إلى نقطةِ الانهيار، إذ لا يزال هناك سبعةُ ملايينَ شخصٍ مُعرَّضون للنزوحِ، ومليون وسَبعُمائةِ ألفِ شخصٍ يلتمسون اللجوء في البُلدانِ المُجاورة. وقد أدَّى الصراعُ إلى وقوعِ أكثرَ مِن ثلاثةَ عشَرَ ألفَ حالةِ وفاةٍ، وستةٍ وعشرينَ ألفَ إصابةٍ. ويواجِهُ نحوُ تسعةِ آلافِ مريضٍ من مَرْضَى الغسيلِ الكُلويِّ، منهم مائتانِ وأربعون طفلًا، مخاطرَ شديدةً بسببِ انقطاعِ الخِدْماتِ، ويحتاجُ أيضًا أربعةُ آلافٍ وخمسُمائةِ مريضٍ من مرضى زراعةِ الكُلى إلى الحصولِ على العلاجِ بلا انقطاعٍ. 

ومنذ الخامس عشر من نيسان/ أبريل، تحققت منظمة الصحة العالمية من ستِّينَ هجومًا تعرضت له مرافق الرعاية الصحية وأدَّى إلى وقوع أربعٍ وثلاثينَ وفاةً وثمانٍ وثلاثينَ إصابةً في صفوف القوى العاملة الصحية. وتشملُ الهجماتُ على الرعايةِ الصِّحيةِ الهجماتِ على المرافقِ الصحيةِ ووسائلِ النقلِ والعاملينَ والمَرضى والإمداداتِ والمُستودعاتِ.

ويواجهُ اللاجئونَ والمهاجرونَ عقباتٍ في الحصولِ على الرعايةِ الصحيةِ، لا سيَّما فيما يتعلقُ بالتدبيرِ العلاجيِّ للأمراضِ غيرِ الساريةِ خلالَ الأزماتِ الممتدةِ، ويلتزمُ إقليمُنا أيضًا بتلبيةِ احتياجاتهمُ الصِّحيةِ. 

أصحابَ المعالي والسعادة، الزملاءُ الأعزاءُ، 

لقد استضافَ إقليمُنا الاجتماعَ العالميَّ والإقليميَّ الأولَ بشأنِ التصدي للأمراضِ غيرِ الساريةِ في حالاتِ الطوارئِ في القاهرةِ في كانونَ الأولِ/ ديسمبر، ألفين واثنين وعشرين. وأثمرَ هذا الاجتماعُ استحداثَ إطارِ عملٍ إقليميٍّ اعتمدَته دُوَلُنا الأعضاءُ في تشرينَ الأولِ/ أكتوبر، ألفيْنِ وثلاثةٍ وعشرين.  ويتسقُ هذا الإطارُ مع جهودِ المنظمةِ الراميةِ إلى تعزيزِ النُّظُمِ الصحيةِ، ويشملُ مجموعةً من التدخلاتِ الاستراتيجيةِ عبرَ الدورةِ البرمجيةِ الإنسانيةِ بأكملِها، لِتسريعِ وَتيرةِ التقدمِ وتحقيقِ أعلى عائدٍ مِنَ الاستثمارِ.

وإنني أُقرُّ بما يَتَّسمُ به التدبيرُ العلاجيُّ للأمراضِ غيرِ السارية من تعقيدٍ وخطورةٍ أثناءَ حالاتِ الطوارئِ الحادَّةِ والمُمتدَّةِ على حدٍّ سواءٍ، ومع ذلك، فإننا نطمحُ بإصرارٍ إلى تكييفِ دعْمِنا لكلِّ بلدٍ استنادًا إلى سياقهِ الفريدِ مِنْ حيثُ مستوى التنميةِ والسياساتِ. 

وبالرَّغمِ من الحاجةِ الماسَّةِ والمتزايدةِ إلى اتخاذِ إجراءاتٍ، فلا تزالُ الرحلةُ أمامَنا طويلةً لدمجِ الأمراضِ غيرِ الساريةِ دمجًا كاملًا في برامجِ التأهبِ للطوارئِ الصحيةِ والاستجابةِ لها. ونحن، أعني منظمةَ الصحةِ العالميةَ، نقفُ على أُهْبةِ الاستعدادِ لتوحيدِ الجهودِ مع شركائِنا وسائرِ الجهاتِ الفاعلةِ في مجالِ العملِ الإنسانيِّ. 

ونجدِّدِ التزامَنا بتخفيفِ العبءِ الناجمِ عنِ الأمراضِ غيرِ الساريةِ في الأوضاعِ الإنسانيةِ، وتعزيزِ استجابتِنا للطوارئِ على المستوياتِ كافةً، وذلك مِن خلالِ جهودِنا المشتركةِ وبالاستفادةِ من خِبراتِنا المتراكمةِ. 

شكرًا لكم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

من تراث المجمعيين: الدكتور حسن علي إبراهيم

أصدر مجمع اللغة العربية ضمن سلسلة "من تراث المجمعيين" الكتاب الأول فيها، وهو بعنوان "الدكتور حسن علي إبراهيم". هذا العمل الذي قام على إعداده وتصنيفه وترتيبه فريق عمل دءوب برئاسة أ.د.حافظ شمس الدين عبدالوهاب، وأ.د.أحمد زكريا الشلق (عضوي المجمع)، والأساتذة كبيري محرري المجمع: خالد مصطفى، وجمال عبد الحي، وحسين خاطر، وإلهام رمضان علي. جدير بالذكر أن هذا العمل العلمي الرفيع القدر قد استغرق العمل فيه عدة سنوات، وأن أ.د.صلاح فضل (رئيس المجمع السابق) قد صدَّر لهذا السِّفْر الكبير قبيل وفاته. وقد جاء في تصدير سيادته: "منذ صدور المرسوم الملكي بإنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الثالث عشر من ديسمبر عام 1932م، وعبر هذا التاريخ الممتد ظفر بعضوية هذا المجمع لفيف من العلماء والمفكرين والكتاب الرواد، واللغويين النابهين، وعدد من المستشرقين ممن لهم سهمة جلية في تحقيق التراث العربي ودراسته. وقد حرص هؤلاء العلماء منذ انتخابهم أعضاء بالمجمع على تقديم عصارة فكرهم، وخلاصة تجاربهم العلمية والحياتية، فجاءت بحوثهم المجمعيّة دالة على أصالتهم وجدتهم وعمق معارفهم وتنوع منابع ثقافتهم، ور...