التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التسوق بين المتعة والحرمان!


 

د. محمود فوزي

يشير الحرمان النسبي إلى مشاعر عدم الرضا الناجمة من اعتقاد الشخص أنه لا يقتني ما ينبغي أن يستحقه -مقارنة بالآخرين- ويمكن للصور الرمزية إثارة وتحفيز إدراك الفرد لحرمانه النسبي، فعلى سبيل المثال، يمكن لصور المنتجات الفاخرة أن تعزز مشاعر الحرمان النسبي مقارنة بتلك المنتجات غير الفاخرة نظرًا لاقترانها بمستويات أعلى من الحداثة والتطور والمكانة الاجتماعية، وغيرها من المعاني والدلالات التي تعبر عن القيمة الرمزية للمنتج وعلامتها التجارية.

ويحاول الاشخاص الواقعين في فخ حرمانهم النسبي الانجراف في تيار الشراهة الشرائية الاندفاعية غير المخططة؛ حيث يشعرون بالدونية من واقع تقييمهم الذاتي المنخفض لأنفسهم ما يثير لديهم الرغبة الملحّة في التصرف والقيام بالأنشطة التي تمثل عندهم إما مكافآت وحوافز خارجية تجنبهم مخاطر العقاب الاجتماعي، أو دوافع أخرى جوهرية تحقق لديهم الشعور بالرضا والمتعة التامة.

وفي كثير الاحيان يعاني من حالة الحرمان النسبي، من يمتلك وضعا اجتماعيًا واقتصاديًا أفضل من الكثير ممن لا يعرّفون أنفسهم على أنهم يعيشون حالة حرمان، لذا فإن الحرمان النسبي لا علاقة له في الأساس بالوضع المادي والسياسي والاجتماعي، بل علاقته الأساسية بالأفكار التي يعتنقها الفرد. 

وقد يتبادر إلى الذهن أن الحرمان النسبي باعتباره قائمًا على المقارنة؛ فإنه يتطلب وجود الآخر دائما، هذا غير صحيح، فقد يقوم الفرد بإجراء مقارنة بين حالته في الماضي وحالته في الوقت الحاضر، ومدى قدرته على الوصول إلى ما يتطلع  إليه في المستقبل، كما يمكن أيضًا أن تكون المقارنة من خارج الجماعات التي تعيش في ذات الدولة.

وبسبب التكنولوجيا فائقة التطور؛ صار الأفراد والجماعات يقارنون أنفسهم حتى بالمجموعات التي لا تعيش معهم في نفس المجتمع، وبالتالى زاد الإحساس بالحرمان النسبي ويكون هذا الأمر أكثر حدة عند من يحصلون على مستوى تعليمي مرتفع، يمكّنهم من الاطلاع على الآخر، خاصة في المجتمعات الأخرى التي تعيش رفاهية منقطعة النظير، فبات المواطن العربي لا يقارن وضعه المعيشي مع مواطن عربي مثله، بل يقارن بين وضعه ووضع المواطن السويسري أو الأمريكي أو الإنجليزي، وتجعله يتساءل لماذا لست على نفس مستواهم المعيشي والسياسي.. هنا يتولد لديه بالضرورة شعور الحرمان النسبي.

على الجانب الآخر يعد التسوق الممتع وسيطًا بين الحرمان النسبي وبين الندم الشرائي؛ إذ قد يمثل مقدار الرفاهية المصاحب للمنتج عاملًا ومحفزًا نحو الانجراف في تيار الشراء الاندفاعي؛ فبعض المنتجات تحقق متعةً لحظيةً، لكنها غير ذات مغزى، ولا تعكس معانٍ نبيلة، ولا تتوافق مع الرفاهية الشخصية مثل: السجائر، والكحوليات.

كما أن القيمة المعنوية المدركة قد تعبر عن جوهر اللذة والمتعة الوجدانية للمستهلك؛ كالانفراد، والمكانة، والعراقة، والأصالة، التي تقترن ببعض السلع والخدمات مثل: القطع الأثرية أو الأعمال الفنية التي قام بإنتاجها أحد المشاهير، أو القطع الموسيقية التي تستمد قيمتها من موهبة وشهرة الفنان، أو مذاق الطعام الذي يحظى بجودة فائقة عند اقترانه باسم مطعم شهير أو علامة تجارية مرموقة.

وقد يقبل العملاء على الاشتراك في رياضة معينة كسباقات الماراثون، أو خوض تجربة غير سارة كتذوق الشيكولاتة المُرّة ومشاهدة أفلام الرعب، أو تعلُّم فنًا يدويًا أو مهارة معينة؛ كالموسيقي والرسم والطهي والحياكة؛ ذلك لغرض الشعور بالإنجاز، وأن يثبتوا لأنفسهم وللآخرين أنهم قادرون على الإنجاز والابتكار، كما يعبر بالمثل الإهداء الذاتي Self-gifting عن مشاعر متعة التسوق وإنفاق الأموال، والانغماس في مشاعر الاحتفال الذاتي، وتخفيف مشاعر التوتر والإحباط، وليس بالضرورة أن ينجم عنها شعور المستهلك بالندم والأسف بعد الشراء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات شهدت مشاركة كل من المهند

من تراث المجمعيين: الدكتور حسن علي إبراهيم

أصدر مجمع اللغة العربية ضمن سلسلة "من تراث المجمعيين" الكتاب الأول فيها، وهو بعنوان "الدكتور حسن علي إبراهيم". هذا العمل الذي قام على إعداده وتصنيفه وترتيبه فريق عمل دءوب برئاسة أ.د.حافظ شمس الدين عبدالوهاب، وأ.د.أحمد زكريا الشلق (عضوي المجمع)، والأساتذة كبيري محرري المجمع: خالد مصطفى، وجمال عبد الحي، وحسين خاطر، وإلهام رمضان علي. جدير بالذكر أن هذا العمل العلمي الرفيع القدر قد استغرق العمل فيه عدة سنوات، وأن أ.د.صلاح فضل (رئيس المجمع السابق) قد صدَّر لهذا السِّفْر الكبير قبيل وفاته. وقد جاء في تصدير سيادته: "منذ صدور المرسوم الملكي بإنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الثالث عشر من ديسمبر عام 1932م، وعبر هذا التاريخ الممتد ظفر بعضوية هذا المجمع لفيف من العلماء والمفكرين والكتاب الرواد، واللغويين النابهين، وعدد من المستشرقين ممن لهم سهمة جلية في تحقيق التراث العربي ودراسته. وقد حرص هؤلاء العلماء منذ انتخابهم أعضاء بالمجمع على تقديم عصارة فكرهم، وخلاصة تجاربهم العلمية والحياتية، فجاءت بحوثهم المجمعيّة دالة على أصالتهم وجدتهم وعمق معارفهم وتنوع منابع ثقافتهم، ور

د. حنان شكري تكتب عن قضايا إثبات النسب

  د.حنان شكري أستاذ الأدب المساعد كلية اللغات والترجمة في الآونة الأخيرة طرقت مسامع المصريين كلمات جديدة، دخيلة على عاداتهم وتقاليدهم، من أمثلة ذلك: عبارة إثبات النسب، وبالتالي اكتظت أروقة محاكم الأحوال الشخصية بقضايا تُرفع لإثبات النسب، أو لعدمه، وفي حقيقة الأمر لابد أن هناك أسبابا عديدة لتلك الظاهرة، لعل أهمها غياب الدين وإهمال القيم والمبادئ التي تربينا عليها منذ الصغر، هذه المفردات الغريبة على المجتمع المصري تنذر بشر مستطير، إذا لم تتصد لها كل الجهات المسئولة، وأولها الأزهر الشريف، والمجالس التشريعية والنيابية، علاوة على دور الأسرة؛ فهي المسئول الأول عن هذا الكيان. إنه من الموجع حقا أن نجد تلك القضايا معلنة من ذويها على السوشيال ميديا، دون خجل أو حياء، وعلاوة على أنها قضايا تمس الشرف؛ فهي تؤذي نفوسا بريئة، تؤذي أطفالا صغارا ليس لهم ذنب أو جريرة، وإنني أتساءل: هل اغتيال شرف طفل وسمعته يساوي لحظات لذة محرمة عابرة؟!  والمؤسف أن مثل هذه القضايا يمتد لسنوات، فماذا جنى هؤلاء الصغار، ليكبروا فيجدوا أنفسهم على تلك الحالة بين أم تسعى لإثبات نسب وأب يتنكر لهذا النسب. وإنني كإنسانة ومواطنة مص