التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتاب كيف نتوضأ بأخلاق النبوة مقاصده وإشعاعات العنوان الدلالية

 


بقلم أ.د/ صابر عبد الدايم يونس


إنَّ المصطفى (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) كان خُلُقُه القرآن- كما تقول أمُّ المؤمنين السيدة عائشة الصِّديقة بنتُ الصِّديق أبي بكر، خليفة رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم)- وأخلاقُه وشمائله النبويةُ تَغمر البشريةَ كلَّها بفَيضٍ من المروءات الوضّاءة، والسلوكياتِ التي تأسرُ قلوبَ بني البشر أجمعين؛ فهو المثلُ الأعلى، وهو الرحمةُ المهداة للعالمين أجمعين، وهذه حقيقةٌ إلهيَّة ربّانية تؤيدُها وقائعُ التاريخ، وحوادثُ الدهر، ومشاهدُ الفتوحات، وواقعُ حياته وسيرته ومَسيرته، قال تعالى في شأنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).

فالذين أكرمَهم الخالقُ (عزَّ وجلّ) بمحبَّة المصطفى (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِه وسلَّمَ) يسْبحونَ في فَضاءاتِ هذا الحبِّ النبويِّ العظيم، ويتطهَّرون بعَذب أحاديثه، ومشاهدِ سِيرته الزاخرة بكلِّ صُنوف الأخلاق السويَّة المعتدلة المتوازنة.

إنَّها أخلاقُ النبوة التي تمثلُ نهرًا مُتدفقًا في شَرايين الأمة، وفي مائه العذبِ نَغتسل، وننقّي نفوسَنا، ونُطهر مشاعرَنا؛ فنُصبح أكثرَ وَضاءةً، وإشراقًا، وحُسنًا، ومحبَّةً لله ورسوله الحبيبِ المصطفى (صلَّى اللهُ عليه وسلم)، الذي تَوَّجه ربُّه بتاج السُّمو، والرُّقي، والعَظمة، فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).

وفي تَجلّيات هذا النور المحمَّدي، والفَيض النبوي، يجيء هذا الاختيارُ الموفق لهذا العنوان المشْرق بالإيمان، ومحبَّة المصطفى العدنان، (كيف نتوضَّأ بأخلاق النبوَّة؟)، وقد وُفِّق المفكرُ الإسلامي الدكتور/ أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، في تحديدِ هذا المنهج الدَّعوي، باختياره لهذا العنوان البَليغ، المُشعِّ بالنور والبَهاء، المليء بالفيوضاتِ النورانية، والتجلياتِ الربانية المستمدَّة من هَديِ ربنا وسنة نبيِّنا محمد (صلى الله عليه وسلم).

 الوضوءُ تَموجُ دلالاته في آفاق: الطُّهر، والنَّقاء، والبَهاء، والجَمال، والوَضاءة، والحُسن، والنظافة، والإيمان. 

وفي أسلوبٍ يعدُّ من جَوامع الكلم، يقول المصطفى (صلَّى الله عليه وسلم): (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ...) (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه) فهنا لفظُ "الطّهور" يحمل عدةَ دلالاتٍ حسب ضبطِه الشَّكلي؛ فهو بضَمِّ الطاء "الطُّهُورُ" يفيد فعلَ الوضوء نفسه، وبفَتح الطّاء "الطَّهُورُ" اسمٌ لهذا الفعل، والجذرُ اللُّغوي لهذا اللفظ من الطَّهارة، والتي تدلُّ على النظافة: حسيَّةً كانت أو مَعْنوية.

 كما تتعدَّد دلالةُ لفظ "الطّهور" حيث فسَّرها بعضُ العلماء فقال: الطهورُ ها هنا: تركُ الذُّنوب. وحولَ علاقة الطهور بالإيمان، ودلالةِ "الشطر" قالوا: الإيمانُ نوعان: (فعْل، وتَرك)، فنصفُ الإيمان فعلُ المأمورات؛ بتزكية النَّفس وتَطهيرها بالقُرب من الله تعالى، ونصفُه الآخر تركُ المحظورات؛ وهو تطهيرُ النفس بتَرك المعاصي. فانظرْ وتأمَّل هذه الإشعاعاتِ الدلالية، والمقاصدَ الشَّرعية التي تَشعُّ بها ألفاظُ الحديث النبوي الشريف، وتراكيبه اللُّغوية الناطقة بالإيحاء، والتي يقف أمامَها العلماءُ والخبراءُ إجلالًا بكلِّ ما لديهم من تَفسيرات وآراء.

وهذا الإيحاءُ المستمَدُّ من يَنابيع الهَدي النبويِّ ما هو إلا تجسيدٌ لأخلاق النبوَّة التي يقودُنا إلى أفيائها وظلالها الوارفةِ الداعيةُ الإسلامي المسْتنير د/ أحمد علي سليمان؛ وذلك عبرَ هذا التساؤل المشروع الهادي إلى خُطى الحبيب (كيف نتوضَّأ بأخلاق النبوة؟) وكيف نَسمو إلى آفاق الحبِّ النبوي الصافي؟.

وفي معرِض الإشادة بأدبِ النبوة، والجمال، والجلال، والكمال، في الحديث النبويِّ الشريف، يقول القاضي عياض في كتابه: (الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلم): "إنَّ الرسول (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) كان يحمل سلاسةَ طبعٍ، وبراعةَ منـزعٍ، وإيجازَ مقطعٍ، وفصاحةَ لفظٍ، وجَزالةَ قول، وصحةَ معانٍ، وقلَّة تكلفٍ؛ أوتيَ جوامعَ الكلم، وخُصَّ ببدائع الحِكم" عليه الصلاة والسلام.

 يقول توماس كارليل صاحبُ كتاب: (محمد المثلُ الأعلى): "... ولوحِظ عليه من فِتائه- أي فتوَّته وشبابه- أنَّه كان شابًّا مفكرًا، وقد سمّاه رفقاؤه الصادق الأمين، رجل الصدْق والوفاء، الصادق في أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحَظوا أنَّ ما مِنْ كلمةٍ تخرج من فِيهِ إلا وفيها حكمةٌ بليغة، وإني لأعرفُ أنه كان كثيرَ الصَّمت، يسكتُ حيث لا موجِب للكلام، فإذا نطقَ فما شئتَ من أدبٍ وفضلٍ وإخلاصٍ وحكمة، لا يتناول غرضًا فيَتركه إلا وقد أنارَ شُبهته، وكشفَ ظلمتَه، وأبانَ حجتَه، واستثارَ دفينتَه... وهكذا يكون الكلام، وإلّا فلا".

 ومِن تَجليات الشخصية المحمَّدية وعظمتِها يستمدُّ الكاتبُ المفكر د/ أحمد علي سليمان، محاورَ كتابِه، وآفاقَ رؤاه الجديدة في ترصُّد مَسارات ومدارات أخلاقِ النبوة، ويقدِّم هذه الرؤى الحضاريةَ والإنسانية إلى الجيل المعاصر، الحائرِ بين التمسُّك بأصالة القيَم الإسلامية والإنسانية الجميلة العادلة، وبين مَسالك التِّيه ودروبِ التخبُّط في ظلال المادية العَمياء التي غابت عنها شمسُ الأخلاق المحمَّدية. ويؤكدُ الكاتبُ إصرارَه على التمسُّك بالمنهج الإسلامي الرشيد؛ حيث يؤكدُ أنَّ الميلادَ الحقيقي لحقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، وحقوق النبات، بل حقوق الجماد؛ كان ببَعثةِ خَير الأنام، ومِسكِ الختام؛ سيدِنا محمد (عليه الصلاة والسلام)، وأنَّ التوضُّأ بأخلاق النبوَّة كفيلٌ بإصلاحنا وصَلاحِنا، ونجاتِنا ونجاحِنا وعلوِّ شأننا.

 أرجو للمؤلف المخلِص لدينِه ووطنِه وأمتِه الدكتور/ أحمد علي سليمان، كلَّ توفيق، وأن يتحقَّق طموحُه وحلمُه النبيل في توحيدِ الأمة، وعودتِها إلى عزَّتها، وقوتها، وهيبتها، إن شاء الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات شهدت مشاركة كل من المهند

د. حنان شكري تكتب عن قضايا إثبات النسب

  د.حنان شكري أستاذ الأدب المساعد كلية اللغات والترجمة في الآونة الأخيرة طرقت مسامع المصريين كلمات جديدة، دخيلة على عاداتهم وتقاليدهم، من أمثلة ذلك: عبارة إثبات النسب، وبالتالي اكتظت أروقة محاكم الأحوال الشخصية بقضايا تُرفع لإثبات النسب، أو لعدمه، وفي حقيقة الأمر لابد أن هناك أسبابا عديدة لتلك الظاهرة، لعل أهمها غياب الدين وإهمال القيم والمبادئ التي تربينا عليها منذ الصغر، هذه المفردات الغريبة على المجتمع المصري تنذر بشر مستطير، إذا لم تتصد لها كل الجهات المسئولة، وأولها الأزهر الشريف، والمجالس التشريعية والنيابية، علاوة على دور الأسرة؛ فهي المسئول الأول عن هذا الكيان. إنه من الموجع حقا أن نجد تلك القضايا معلنة من ذويها على السوشيال ميديا، دون خجل أو حياء، وعلاوة على أنها قضايا تمس الشرف؛ فهي تؤذي نفوسا بريئة، تؤذي أطفالا صغارا ليس لهم ذنب أو جريرة، وإنني أتساءل: هل اغتيال شرف طفل وسمعته يساوي لحظات لذة محرمة عابرة؟!  والمؤسف أن مثل هذه القضايا يمتد لسنوات، فماذا جنى هؤلاء الصغار، ليكبروا فيجدوا أنفسهم على تلك الحالة بين أم تسعى لإثبات نسب وأب يتنكر لهذا النسب. وإنني كإنسانة ومواطنة مص

رحلة مريض في مدينة غنيم

  بقلم/ شريف محمد الأزهري على بعد حوالي 140 كم من القاهرة وتحديدا في أجمل محافظات مصر حيث مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية يوجد مركز المسالك البولية والكلى العالمي التابع لجامعة المنصورة، ودائما يقال في الأمثال "ليس من رأى كمن سمع". إنه شيء أشبه بالمعجزة، ومن ساقته الظروف لزيارة المكان في المنصورة لخرج حامدا شاكرا أنعم الله، ولعرف قيمة الوقاية والغذاء السليم الخالي من المواد الحافظة، فضلا عن قيمة الصحة والعافية. حصل المركز على المرتبة الأولى على مستوى العالم فيما يتعلق بأمراض الكلى والمسالك البولية حيث تخطى مركز سان فرانسيسكو بالولات المتحدة الأمريكية وذلك منذ عام 2015 إلى الآن. وظل محتفظا بالتصنيف رقم 2 على مستوى العالم فيما يتعلق بأمراض الكلى والمسالك لأعوام طويلة. وجامعة المنصورة نموذج فريد بين جامعات مصر، وتتصدر أبحاثها المجلات والصحف العلمية المحكمة. قُدر لي أن أصلي الجمعة مع الدكتور محمد غنيم الذي يتابع يوميا تلاميذه وجنوده الذين يعملون مستهدفين من المنصورة أن تكون "مدينة طبية عالمية على أرض مصرية". الدكتور غنيم يوقر الكبير ويحترم الصغير وفي ذات ا