بقلم/ لواء أ.د. محمد رضا عوض
يحظى الأزهر الشريف وشيخه الإمام الأكبر أحمد الطيب بمكانة مرموقة ومتميزة فى دول جنوب شرق آسيا وخصوصا إندونيسيا وماليزيا وتايلاند.
وقد لاحظنا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى مدى الحفاوة التى استقبل بها فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب والوفد المرافق له من قبل رؤساء هذه الدول وشعوبها.
لقد أجريت للإمام الأكبر مراسم الاستقبال التى تجرى للملوك والرؤساء.
وعقد الإمام الأكبر لقاءات مع قادة الدول الثلاث، ومع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وتم بحث موضوعات مهمة عن كيفية وقف العدوان على غزة، وكيفية مواجهة تنامى الإسلاموفوبيا وبعض الأمور الأخرى التى تهم العالم الاسلامي.
والإسلام هو الديانة الأكثر مُمارسة فى جنوب شرق آسيا، ويبلغ عدد معتنقى الديانة الإسلامية هناك نحو 42% من تعداد السكان الكلى للمسلمين فى العالم، بأكثرية فى بروناى وإندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش بالإضافة إلى باتانى فى تايلاند وأجزاء من مينداناو فى الفلبين على الترتيب.
كما توجد أقليات كثيرة فى دول جنوب شرق آسيا الأخري. ومعظم المسلمين فى جنوب شرق آسيا هم من الطائفة السنية ويتبعون المذهب الشافعى فى الفقه.
وقصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام فى العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة بجيوش فاتحة، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام.
ووفقًا لمجلس فيكتوريا الإسلامي، يقول المؤرخون إن التجار العرب هيمنوا على التجارة فى جنوب شرق آسيا فى أوائل القرن التاسع وأقاموا هناك مستعمرة للمسلمين فى الساحل الغربى لسومطرة بحلول عام 878 ميلادي.
كان مصدر أول المراجع الإسلامية المكتوبة فى جنوب شرق آسيا فى 916 ميلادي، تاجرًا يصف تجربته فى عام 851 فى جزيرة سومطرة.
وبالنسبة للأزهر الشريف؛ فقد أنشئ في أول عهد الدولة الفاطمية بمصر جامعا باسم (جامع القاهرة، الذى سمى الأزهر فيما بعد) حيث أرسى حجر أساسه فى 970م، وصلى فيه الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ثانى خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة972م، إيذانا باعتماده الجامع الرسمى للدولة الجديدة، ومقرا لنشر الدين والعلم والمذهب الشيعي.
ولما تولى صلاح الدين الايوبى السلطة فى مصر جعله منبرا للمذهب السنى إلى جانب دراسة علوم أخرى فى الدين واللغة والقراءات والمنطق والفلك.
وشيخ الأزهر هو الإمام الأكبر رئيس أكبر مؤسسة دينية فى مصر، يتولى رئاسة علمائه، ويشرف على شئونه الإدارية، ويحافظ على الأمن والنظام بالأزهر، وهو من المرجعيات المؤثرة فى العالم الإسلامي.
بدأ المنصب رسميًا عام 1090 هـ/1679 م، وتعاقب عليه حتى الآن اثنان وأربعون عالمًا، كان أولهم الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي.
وبتولى الامام الطيب المسئولية قام بوضع خطة تطوير شاملة فأحدثت أفكاره نقلةً مشهودةً فى مؤسسة الأزهر الشريف، فى ضوءِ سعيِ فضيلتهِ لتحويل الأفكار إلى هيئات حديثة متطورة، بما يضمن للفكرة استدامتها وتطويرها بشكل منتظم.
ومن أبرز هذه المؤسسات: الرابطة العالمية لخريجى الأزهر 2007 بهدف تفعيل قوة الأزهر الشريف الناعمة المتمثلة فى خريجيه المنتشرين حول العالم، والتواصل معهم بما يجعل للأزهر صوتًا مسموعًا فى كل ربوع المعمورة.
ومركز الأزهر لتعليم اللُّغات الأجنبيَّة 2010 لتمكين خرِّيجى الكليَّات الأزهريَّة الأصيلة من الاطلاع على ثقافات وحضارات العالم المختلفة، واكتساب المعارف من منابعها، والإسهام فى ترسيخ الصورة الصحيحة للتعاليم الإسلامية، وَفْقَ منهج الأزهر الوسطيِّ المعتدل.
وبيت العائلة المصرية 2011 إدراكًا لقوةِ العَلاقةِ التاريخيةِ بين جناحيِ الوطنِ (مُسلميه ومسيحيه)، ولقطع الطريق على أى محاولة للعبث بهذه العلاقة.
وبيت الزكاة والصدقات المصرى 2014 لصرف أموال الزكاة فى وجوهها المقررة شرعًا، ولبث روح التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع.
ومجلس حكماء المسلمين 2014 وهو هيئة دولية مستقلة، تهدف إلى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة.
وكذلك اللجنة العُليا للمصالحات التى أُنشئت عام 2014م، من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار وصيانة النَّفس البشرية؛ إعمالًا لمقاصد الشَّريعة الإسلاميةِ.
وقد نجحت اللجنة فى إتمام مصالحاتٍ عدَّةٍ فى ربوع مصر، والمشاركة فى مؤتمر مصالحةِ إفريقيا الوُسطي.
أيضا مركز الأزهر العالمى للرصد والفتوى الإلكترونية 2015 لمكافحة التطرف باللغات الأجنبية، وذلك من خلال رصد كل ما تبثُّه التنظيمات الإرهابية على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى باثنتى عشرة لغة حية، والرد عليها بنفس اللغات، بما يُحصِّنُ الشباب المسلم فى مختلف دول العالم من تلك الأفكار الهدَّامة، ويحميهم من الاستجابة لدعواتهم المسمَّمة.
ومركز الإمام الأشعريِّ 2017 لنشر الفكر والمنهج الأزهريِّ المعبِّر عن وسطيَّة وسماحة الإسلام.
ومركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب 2018 الذى يختصُّ بكل ما يتَّصل بالطُّلاب الوافدين والأجانب فى التعليم قبل الجامعيِّ، ومتابعة تنفيذها مع كل الجهات المعنيَّة.
أيضا أكاديمية الأزهر الشريف 2018 لتأهيل وتدريب الأئمة والدعاة والوعاظ وباحثى وأمناء الفتوى لتجديد الفكر الدينى وتعميق الخطاب الدعوي وتزويد الدعاة والمفتين بالمهارات التى تساعدهم فى مواجهة الأفكار المتطرفة.
كذلك اللجنة العُليا للأُخوَّة الإنسانيَّة 2019 لتحقيق أهداف «وثيقة الأُخوَّة الإنسانيَّة»، التى وقَّعها فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية فى أبوظبى فى الرَّابع من فبراير عام 2019م.
هذا هو الدور الكبير الذى يقوم به الأزهر الشريف.
وقد لاحظنا جميعا نتيجة هذا الدور فى الزيارة الأخيره لفضيلة الإمام الطيب الذى يحرص دائما على زيادة الروابط بين الأزهر الشريف ومسلمى العالم أجمع.
تعليقات
إرسال تعليق