بقلم مصطفى أحمد محمود
لقد كانت أصوات وصرخات غريبة، تلك التي استدعت انتباه إبراهيم، ونزعت جنانه وعقله إلى الباب، فطلب من الدكتورة فاطمة أن يرى ما بالخارج، فأذنت له، فإذا به يرى تدفقاً هائلاً وسريعاً من الطلاب قد خرج من أحد قاعاته، تصرخ منه الكثرة وتضحك منه القلة، ضحكات حمقاء باردة، بينما يبتسم آخرون ابتسامات واسعة غريبة، تشبه ابتسامات من لا يدرك قطرات الندى الصافية الباردة، من قطرات الزيت القاتمة المحروقة.
ووسط هذه الفوضى، وذلك التناغم الغريب، إذا بطالب يصرخ ضاحكاً، مختالاً بنفسه يقول: إن أعداء البلاد ألقوا قنبلة على المبنى، فاشتغلت به ألسنة النيران، وإذا بآخر يندفع، فيصدم في طريقه الدكتورة "فاطمة" حتى كادت أن تسقط إلا أنها وقفت ثابتة رابطة الجأش.
لقد صارت أهم الأجزاء في بناء الكون تسير في اتجاه عكسي، فبدأ الزمن يعود إلى الخلف، يعود إلى البدائية أو لا يتدفق مناسباً نحو النور، الذي يرسم صور من الشفافية والراحة، والجمال الذي يصطحب اللب والخيال إلى الانتشار، حيث تنتشر الأجزاء التي تسكن في النهاية، وتبقى الإضافة التي تضيء وسط ظلمات الكون المؤلمة.
كل ذلك كان يصارع "إبراهيم" في تلك اللحظات القصيرة الطويلة، فصرخ فيهم: أثبتوا، اهدؤوا، إنه مجرد حريق بسيط شب في جزء من المبنى!
ولكن صرخاتهم وضحكاتهم ابتلعت صوته، وحبست أنفاسه، وكأنه كابوس بغيض سخيف، بينما صرخات النساء في الشارع المجاور، التحمت بأخواتها في الكلية، فلم يعد هناك أدنى اختلاف بين الفريقين، غير أن الأخير منها قد زادت عليه الضحكات البلهاء، فإذا بجدار الكلية قد ذاب، وأصبح رماداً!
فصرخ "إبراهيم" في الفضاء البعيد، سأبني جدار أسرتي بعد الزواج. سأبني جدار المدرسة. سأبني جدار الكلية.
تعليقات
إرسال تعليق