بقلم/ مصطفى أحمد محمود
يحمل الفتى إبراهيم طالب كلية التربية أحلاماً يافعة رقراقة، وأماني عريضة تسبح في السماء وهو يخطو أمتاره الأولى في فرقته في عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين ميلادية.
يمر في طرقة طويلة متجهاً إلى القسم الذي يدرس به فيلحظ ساعة بيضاء ألماني كبيرة يحملها جنزير حديد مربوط في السقف وعقارب الساعة ساكنة عند الثانية إلا ثلث لكنه يمر كالبرق من تحتها تملأه رغبة العلم بحاراً وأمل التفوق أطواراً.
يلتفت وراءه ليطالعها مرة أخرى لعل بها عطلٌ بسيط أو تحتاج إلى حجر بطارية يثبته أحد العمال بها فتعاود السير.
تنصرم الأعوام الأربعة ويكتنز إبراهيم العلم ويرتقي بالمعرفة فتنير بداخله أكاليل الفرح والنور فيصمم على أن يُدرس في الجامعة ولما لا فهو الأول تصرع درجاته درجات أقرانه ولما لا فلأفكاره ظل على الأرض أما غيره فليس له ظل.
ينتظر ساعة إعلان نتيجة التعيين في القسم فيسرع من تحت الساعة الألماني المعلقة ويدري أنها ما زالت الثانية إلا الثلث وتعلن النتيجة ويخرج من السباق رغم أنه الأول فلم ينفعه ظل أفكاره ولا علو درجاته أمام النفيس الذي يقدم كهدايا أو لعل جرمه أنه يفقه ولا يحمل أسفاراً لا يفهم ما فيها، ورغم ذلك يكمل بعض دراساته العليا دبلومة تلو الأخرى غير أن الطرقة الطويلة بعد الثورة وإعلان الجمهورية الثانية طالها بعض الإصلاحات والطلاء إلا أن الساعة ما زالت الثانية إلا ثلث!
سئم المرور أسفل هذه الساعة البغيضة وأعياه النظر إليها وتمنى لو سمعت عقارب هذه الساعة أصوات ميدان التحرير فتحركت.
تمنى لو حطمها فأكاليل الزهور في داخله تتساقط على الأرض وتطؤها الأقدام الغليظة؛ إذ مازالت الثانية إلا ثلث!
تعليقات
إرسال تعليق