فوائد من قصيدة سيدي أبي مدين الغوث رضي الله عنه [ما لذة العيش]، لفضيلة الشيخ مجد الدين مجدي عاشور
الثلاثاء: ٢٤/ محرم/ ١٤٤٦ه
٣٠/ ٧/ ٢٠٢٤ م
يقول سيدي أبو مدين في البيت السادس :
٦_ وحُطّ رأسَك واستغفِر بلا سببٍ
وقم على قدمِ الإنصافِ معتذرا
( الدرس السابع)
__________
* تمتاز هذه القصيدة بأنك لو رتبتها من أسفل لأعلى ونفذتَ ما فيها على هذا النحو لانتهيت إلى قوله(ما لذة العيش)، أي إن فعلت ما فيها ستصل في نهاية الأمر إلى ما هو مرادٌ من البداية وهو العيش الهنيء .
* قوله:(وحُطَّ رأسَك): أي طأطئ رأسَك، فأهل الله دائما ماتجدهم ينكِّسون رؤوسهم؛ لأنهم لا يرون لأنفسهم وجودا حقيقيا ولا يرون لأنفسهم شأنًا مع الله عزوجل، وهذا معنى العبودية الحقيقية لله؛ لذا هم يفرحون بكلمة (عبد)، أي لله عزوجل؛ لأنها شرفٌ أيُ شرف!
* حاول أن تجاريَ أهلَ الله في هذا وطأطئ رأسك حتى ولو في الظاهر بدايةً، (فكثرةُ ملازمةِ الظاهرِ في الطاعات تأتي ثمرتها في الخلوات والجلوات)، فالذكر بالقلب مثلا هو مرحلةٌ تالية لمرحلة قبلها ، فهو منحةٌ تأتي بعد الذكر باللسان، حتى يصلَ الحالُ بعد ذلك بأن يذكرَ القلبُ حتى في حالة النوم، بل ويُسمَعُ لقلبه صوتٌ، والقلبُ يستمدُّ كلَّ هذا من الروح.
* اعلم أن: كما أن لجسدك رأسًا وأعضاءً، فالأمر كذلك بالنسبة للقلب؛ فالقلب له رأس، ورأسه لها لسان وأعين وهكذا، (فحينما تنكِّسُ رأسَ جسدِك كذلك سينكسرُ رأسُ قلبِك لربك، فليس الشأنُ أن يسجدَ رأسُ جسدِك، إنما الشأنُ أن يسجدَ رأسُ قلبِك).
* من كثرة سجود رأسك، ومن ثَمّ سجودُ قلبك ستعتاد ذلك وينعكس عليك بالخشوع والخضوع؛ لذا تجد بعض أهل الله الكبار ممن يرون رسول اللهﷺ كثيرا في المنام ينكسون رؤوسهم كثيرا، ولما سئلوا عن ذلك كانت إجابتهم: [عيبٌ على عينٍ تملّت بنور الحبيب أن ترى سواه]، فهم قومٌ لا يرفعون رؤوسهم إلا للضرورة، والضرورة تُقَدَّرُ بقدرها، كأن يرحبوا بأحدٍ ما، أويسلموا عليه، فيستخدمون الأحكامَ الفقهيةَ للترقيات، ومن هنا نفهمُ كيف يكون السلبُ في حق بعضهم هو عينُ العطاء ونعمةٌ من الله عزوجل، كحال بعض الأكفّاء _ جمع كفيف_ تجدهم منوّرين في الطريق؛ لأنهم بفقد البصر صارت بصائرُهم أقوى فهم لا يريدون رؤيةً سوى رؤيةِ الله عزوجل.
_________
* قوله: ( واستغفر بلا سببٍ):
* كلنا يحتاج للاستغفار، سواءٌ أكان استغفارك بلا ذنب فعلته، أم كان استغفارك لفعل فعلته ولم تعرف السبب، ففي كل الأحوال تستغفر، لماذا ؟
لأن سيدنا ﷺ كان يستغفر في اليوم سبعين أو مائة مرة، فهو قدوةٌ لأمته، فاستغفارك الدائم ترقٍّ لك في الدرجات، وعلوٌّ لك في الرتب.
* لو استغفرت الله بلا ذنب يكون عملُك لربك لا لنفسك، أما استغفارك ربَك عن ذنب فهو لك قبل أن يكون لربك؛ لأن الاستغفار ممن لم يذنب يجعله غيرَ ملتفتٍ للذنب؛ إذ التفاتُك لعدم فعلك الذنب ذنبٌ، كحال من يقول: انظر يعطي الله فلانا ويوسع عليه رغم معصيته، وأنا مطيع له ولا يعطيني، فقد التفت لطاعته ونسي أن عطاءَ اللهِ ليس بطاعته، أما قوله ﷺ :"إنَّ الرجلَ ليحرمُ الرزقَ بالذنب يصيبُه" أخرجه أحمد في مسنده، فهذا فيما زاد على الأساس في رزقه.
* الأساس في كل طريق هو الاستغفار، فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: " طوبى لمن وجد في كتابه استغفاراً كثيراً " رواه ابن ماجه والنسائي والطبراني، فالاستغفار فيه إظهارٌ للعبوديةِ لله؛ لذا تجد هذا اللفظَ لا يقال إلا لله تعالى، أما في حق العبد تقول له: سامحني أو ما شابه هذا.
* قال تعالى: { ٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡمُنفِقِینَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِینَ بِٱلۡأَسۡحَارِ }[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٧]، فمدح الله تعالى المستغفرين بالأسحار:
* لأنه وقتٌ يحب الناسُ فيه النومَ.
* لأنه وقتٌ لن تنشغلَ فيه إلا بربك.
* لأنه وقتٌ أنت مستورٌ فيه عن الخلق، فالاستغفار يحميك من علوّك على الناس بطاعتك؛ إذ من علا على الناس بمعصيته فهو جاهل، أما من علا بطاعته فهو أجهل الجهال.
________
* قوله:(وقم على قدم الإنصاف معتذرا)
* أي أنصِفْ الناس من نفسك، لذا كنا نرى أحد كبار الأولياء ما رأى أحدا إلا وقبّل يده، ولما سألناه عن ذلك قال: لأن فيه من رسول اللهﷺ ، فأنا أقبل ما فيه منهﷺ، فلما يرى المريد هذا من شيخه فيفهم معنى الانكسار والأدب على الحقيقة مُجَسَّدًا أمامه .
* من الإنصاف: أن تستغفرَ لطاعتك؛ لأنك لم تؤدها على وجهها، ومن هنا سنّ لنا رسول الله ﷺ الاستغفارَ بعد الصلاة لجبر ما فيها من خلل أو تقصير.
* من الإنصاف: أنه من اعتذر لك فاقبل اعتذاره؛ لأنه قد حاججك، فقد انكسر لك، ومن انكسر لك فانكسِرْ له.
__________
* ورشة العمل:
* ينبغي أن نكثر من الاستغفار؛ لذا على الأقل نقول كل يوم: أستغفر الله العظيم (١٠٠)مرة ، صباحًا ومثلها مساءً.
* يجب علينا الاعتذار لكل من أسأنا في حقه، وأن نقبلَ الاعتذار من كل من اعتذر إلينا.
تعليقات
إرسال تعليق