بقلم/ فضل الجلال المريسي
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نشجي لواديك أم نأسي لوادينا ؟!
لعلكم تتذكرون هذه الأبيات مطلع قصيدة "أندلسية" التي أبدعها أمير الشعراء أحمد شوقي في منفاه بالأندلس، وقد وقف على آثار المعتمد بن عباد بأشبيلية في بستانه متغزلا في حب مصر وشوقه إليها؛ معارضا بها قصيدة الشاعر الاندلسي الكبير ابن زيدون، والتى قالها في حب ولادة بنت المستكفي التي مطلعها :
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَ نابَ عَن طيبِ لُقيانا: تَجافينا
هذه القصيدة من أبدع قصائد معارضات شوقي التي أبدعت فيها، وهي تحفة رائعة من لوحاته الشعرية البديعة ؛ جمع فيها الحاضر بالماضي؛ وحشد خلالها كما هائلا من مشاعر الحب والأسى والألم، على المجد الضائع والوطن الأسير؛ وبينهما الشوق إلى ماحرم منه وحرمنا منه؛ فحير الناظر إلى تلك اللوحة المذهلة أيبقى في الماضي حالما؟! أم يعش في أسى هذا الحاضر مشتاقا متألما ؟!!
جزء من قصيدة شوقي :
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نشجي لواديك أم نأسي لوادينا ؟!
ماذا تقص علينا غير أن يدا
قصت جناحك جالت في حواشينا
آهــا ! لنا نازحى إيك بأندلـس
و إن حللنا رفيـفاً من روابينــا
رسم وقفنا على رسم الوفاء لـه
نجيش بالدمع ، والإجلال يثنينـا
لفتيـة لا تنـال الأرض أدمعهم
و لا مفارقــهم إلا : مصلينـــا
لـو لـم يسودوا بدين فيه منبهة
للناس ؛ كانت لهم أخلاقهم دينــا
كادت عيون قوافينا تحركـــه
و كدن يوقظن فى الترب السلاطينا
يا من نغار عليهم من ضمائرنا
و من مصون هواهم فى تناجينـا
جئنا الى الصبر ندعوه كعادتنا
فى النائبات ؛ فلم يأخذ بأيدينــا
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا
للشامتين و يأسوه تأسينـــا
سقيا لعهد كأكناف الربى رفة
أنا ذهبنا و أعطاف الصبا لينـا
فقف إلى النيل وأهتف فى خمائله
و أنزل كما : نزل الطل الرياحينا
الوصل صافية ، والعيش ناغية
و السعد حاشية ، و الدهر ماشينا
والشمس تختال فى العقيان تحسبها
بلقيس ترفل فى وشى اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت
لو كان فيها : وفاء للمصافينـــا
والسعد لو دام ، والنعمى لو اطردت
و السيل لو عف ، و المقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبـا
ماءا لمسنا به الإكسير أو طينــا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا
و لم يهن بيد التشتيت غالينا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت
فى ملكها الضخم عرشا مثل وادينا
جزء من قصيدة ابن زيدون الأندلسي :
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَ نابَ عَن طيبِ لُقيانا : تَجافينا
إنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
أُنساً بِقُربِهِمُ ؛ قَد عاد َ يُبكينا
فَاِنحَل َّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا
وَ اِنبَتَّ ما كان َ مَوصولاً بِأَيدينا
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
شَوقاً إِلَيكُم ، وَ لا جَفَّت مَآقينا
نَكاد ُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
يَقضي عَلَينا الأَسى ، لَولا تَأَسّينا
حالَت لِفَقدِكُم ُ أَيّامُنا فَغَدَت
سوداً و َكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا
وَ مَرتعُ اللَهو ِ صاف ٍ مِن تَصافينا
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً
قِطافُها فَجَنَينا مِنه ُ ما شينا
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما
كُنتُم لِأَرواحِنا ، إِلّا : رَياحينا
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا
أَن طالَما : غَيَّر َ النَأيُ المُحِبّينا
وَاللَه ِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً
مِنكُم و َ لا اِنصَرَفَت عَنكُم أمانينا
يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ
مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا
و َاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا
إِلفاً تَذَكُّرُهُ : أَمسى يُعَنّينا
و َيا نَسيمَ الصَبا : بَلِّغ تَحِيَّتَنا
مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا
فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً
مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا
تعليقات
إرسال تعليق