التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين "شوقي" و"ابن زيدون"



بقلم/ فضل الجلال المريسي

يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نشجي لواديك أم نأسي لوادينا ؟!
ماذا تقص علينا غير أن يدا
قصت جناحك جالت في حواشينا
لعلكم تتذكرون هذه الأبيات مطلع قصيدة "أندلسية" التي أبدعها أمير الشعراء أحمد شوقي في منفاه بالأندلس، وقد وقف على آثار المعتمد بن عباد بأشبيلية في بستانه متغزلا في حب مصر وشوقه إليها؛ معارضا بها قصيدة الشاعر الاندلسي الكبير ابن زيدون، والتى قالها في حب ولادة بنت المستكفي التي مطلعها :
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَ نابَ عَن طيبِ لُقيانا: تَجافينا
هذه القصيدة من أبدع قصائد معارضات شوقي التي أبدعت فيها، وهي تحفة رائعة من لوحاته الشعرية البديعة ؛ جمع فيها الحاضر بالماضي؛ وحشد خلالها كما هائلا من مشاعر الحب والأسى والألم، على المجد الضائع والوطن الأسير؛ وبينهما الشوق إلى ماحرم منه وحرمنا منه؛ فحير الناظر إلى تلك اللوحة المذهلة أيبقى في الماضي حالما؟! أم يعش في أسى هذا الحاضر مشتاقا متألما ؟!!
🔹️
جزء من قصيدة شوقي :
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نشجي لواديك أم نأسي لوادينا ؟!
ماذا تقص علينا غير أن يدا
قصت جناحك جالت في حواشينا
آهــا ! لنا نازحى إيك بأندلـس
و إن حللنا رفيـفاً من روابينــا
رسم وقفنا على رسم الوفاء لـه
نجيش بالدمع ، والإجلال يثنينـا
لفتيـة لا تنـال الأرض أدمعهم
و لا مفارقــهم إلا : مصلينـــا
لـو لـم يسودوا بدين فيه منبهة
للناس ؛ كانت لهم أخلاقهم دينــا
كادت عيون قوافينا تحركـــه
و كدن يوقظن فى الترب السلاطينا
يا من نغار عليهم من ضمائرنا
و من مصون هواهم فى تناجينـا
جئنا الى الصبر ندعوه كعادتنا
فى النائبات ؛ فلم يأخذ بأيدينــا
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا
للشامتين و يأسوه تأسينـــا
سقيا لعهد كأكناف الربى رفة
أنا ذهبنا و أعطاف الصبا لينـا
فقف إلى النيل وأهتف فى خمائله
و أنزل كما : نزل الطل الرياحينا
الوصل صافية ، والعيش ناغية
و السعد حاشية ، و الدهر ماشينا
والشمس تختال فى العقيان تحسبها
بلقيس ترفل فى وشى اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت
لو كان فيها : وفاء للمصافينـــا
والسعد لو دام ، والنعمى لو اطردت
و السيل لو عف ، و المقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبـا
ماءا لمسنا به الإكسير أو طينــا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا
و لم يهن بيد التشتيت غالينا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت
فى ملكها الضخم عرشا مثل وادينا
🔹️
جزء من قصيدة ابن زيدون الأندلسي :
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَ نابَ عَن طيبِ لُقيانا : تَجافينا
إنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
أُنساً بِقُربِهِمُ ؛ قَد عاد َ يُبكينا
فَاِنحَل َّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا
وَ اِنبَتَّ ما كان َ مَوصولاً بِأَيدينا
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
شَوقاً إِلَيكُم ، وَ لا جَفَّت مَآقينا
نَكاد ُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
يَقضي عَلَينا الأَسى ، لَولا تَأَسّينا
حالَت لِفَقدِكُم ُ أَيّامُنا فَغَدَت
سوداً و َكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا
وَ مَرتعُ اللَهو ِ صاف ٍ مِن تَصافينا
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً
قِطافُها فَجَنَينا مِنه ُ ما شينا
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما
كُنتُم لِأَرواحِنا ، إِلّا : رَياحينا
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا
أَن طالَما : غَيَّر َ النَأيُ المُحِبّينا
وَاللَه ِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً
مِنكُم و َ لا اِنصَرَفَت عَنكُم أمانينا
يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ
مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا
و َاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا
إِلفاً تَذَكُّرُهُ : أَمسى يُعَنّينا
و َيا نَسيمَ الصَبا : بَلِّغ تَحِيَّتَنا
مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا
فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً
مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات شهدت مشاركة كل من المهند

من تراث المجمعيين: الدكتور حسن علي إبراهيم

أصدر مجمع اللغة العربية ضمن سلسلة "من تراث المجمعيين" الكتاب الأول فيها، وهو بعنوان "الدكتور حسن علي إبراهيم". هذا العمل الذي قام على إعداده وتصنيفه وترتيبه فريق عمل دءوب برئاسة أ.د.حافظ شمس الدين عبدالوهاب، وأ.د.أحمد زكريا الشلق (عضوي المجمع)، والأساتذة كبيري محرري المجمع: خالد مصطفى، وجمال عبد الحي، وحسين خاطر، وإلهام رمضان علي. جدير بالذكر أن هذا العمل العلمي الرفيع القدر قد استغرق العمل فيه عدة سنوات، وأن أ.د.صلاح فضل (رئيس المجمع السابق) قد صدَّر لهذا السِّفْر الكبير قبيل وفاته. وقد جاء في تصدير سيادته: "منذ صدور المرسوم الملكي بإنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الثالث عشر من ديسمبر عام 1932م، وعبر هذا التاريخ الممتد ظفر بعضوية هذا المجمع لفيف من العلماء والمفكرين والكتاب الرواد، واللغويين النابهين، وعدد من المستشرقين ممن لهم سهمة جلية في تحقيق التراث العربي ودراسته. وقد حرص هؤلاء العلماء منذ انتخابهم أعضاء بالمجمع على تقديم عصارة فكرهم، وخلاصة تجاربهم العلمية والحياتية، فجاءت بحوثهم المجمعيّة دالة على أصالتهم وجدتهم وعمق معارفهم وتنوع منابع ثقافتهم، ور

د. حنان شكري تكتب عن قضايا إثبات النسب

  د.حنان شكري أستاذ الأدب المساعد كلية اللغات والترجمة في الآونة الأخيرة طرقت مسامع المصريين كلمات جديدة، دخيلة على عاداتهم وتقاليدهم، من أمثلة ذلك: عبارة إثبات النسب، وبالتالي اكتظت أروقة محاكم الأحوال الشخصية بقضايا تُرفع لإثبات النسب، أو لعدمه، وفي حقيقة الأمر لابد أن هناك أسبابا عديدة لتلك الظاهرة، لعل أهمها غياب الدين وإهمال القيم والمبادئ التي تربينا عليها منذ الصغر، هذه المفردات الغريبة على المجتمع المصري تنذر بشر مستطير، إذا لم تتصد لها كل الجهات المسئولة، وأولها الأزهر الشريف، والمجالس التشريعية والنيابية، علاوة على دور الأسرة؛ فهي المسئول الأول عن هذا الكيان. إنه من الموجع حقا أن نجد تلك القضايا معلنة من ذويها على السوشيال ميديا، دون خجل أو حياء، وعلاوة على أنها قضايا تمس الشرف؛ فهي تؤذي نفوسا بريئة، تؤذي أطفالا صغارا ليس لهم ذنب أو جريرة، وإنني أتساءل: هل اغتيال شرف طفل وسمعته يساوي لحظات لذة محرمة عابرة؟!  والمؤسف أن مثل هذه القضايا يمتد لسنوات، فماذا جنى هؤلاء الصغار، ليكبروا فيجدوا أنفسهم على تلك الحالة بين أم تسعى لإثبات نسب وأب يتنكر لهذا النسب. وإنني كإنسانة ومواطنة مص