بقلم/ د. نرمين نصر
في الآونة الأخيرة، في وقت تتصاعد فيه الأزمات الإنسانية في غزة، تصدر الفيديو الذي يظهر تريند كلباً في موقع تاريخي بارز وهو يجلس على أهرامات الجيزة كظاهرة مثيرة للجدل؛ إذ أثار مزيجاً من الضحك والدهشة بين المستخدمين، الأمر الذي نشره بسرعة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وكان حديث الساعة بين رواد الإنترنت، ولاقى تفاعلا هائلا يجذب ملايين المشاهدات.
بعض التعليقات كانت خفيفة وطريفة، حيث علق الكثيرون على مدى "رغبة الكلب في استكشاف التاريخ".
لكن المتأمل يلحظ كم تحمل هذه اللقطات كثيرا من التساؤلات حول أولويات اهتمامات الجمهور؛ فهذا الترند يطرح تساؤلات عدة حول ظاهرة الاهتمام بالموضوعات العابرة مقابل القضايا الجادة.
انتشر فيديو الكلب بسرعة، وظهرت ردود الفعل السريعة عليه، وهذا معناه أن منصات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر تستطيع خلق ترندات جديدة خلال ثوانٍ حتى ولو كان كلبا يتمتع بحرية الحركة بين المعالم التاريخية!
تباين ردود الفعل حول الترند الذي حقق ملايين المشاهدات ظهر في شكل موجة من التعليقات المتنوعة، فالبعض تفاعل بشكل مرح، بينما عبَّر آخرون عن استغرابهم من تفضيل هذا المحتوى الترفيهي على قضايا أكثر أهمية وخطورة، ومن ثم تأثير هذه الظواهر على أولويات المجتمع خاصة في وقت يواجه فيه سكان غزة أزمات إنسانية متفاقمة.
إذن، هذه الترندات، وإن كانت مسلية، فإنها قد تلهي الناس عن القضايا الأكثر أهمية.
وفي الوقت الذي يتفاعل فيه الكثيرون مع محتوى ترفيهي ويتلهون بمشاهدة كلب يمرح بين الأهرامات، يغفل كثيرون عن المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة.
هذا التباين في الاهتمامات يعكس واقعًا يفرض التساؤلات حول المسئولية الاجتماعية للأفراد في استخدام منصات التواصل للعديد من القضايا الإنسانية والسياسية التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها.
إن الآراء قد تباينت حول أهمية الترفيه في الأوقات الصعبة، فبينما اعتبر البعض أن هذه اللحظات تسهم في الترفيه وتخفيف التوتر، يرى آخرون أنها تلهي الناس عن الموضوعات الجادة التي تحتاج إلى اهتمام أكبر، ومن ثم يرون ضرورة الاتجاه نحو القضايا الحيوية!
وبينما يلهو البعض بصور الكلاب والأهرامات، هناك واقع دامٍ مؤلم يعاني منه سكان غزة وفلسطين ولبنان، وهناك أزمات إنسانية وسياسية أشد خطورة على الأمن الإقليمي تستدعي التعاطف والدعم الحقيقي، لكن يبدو أن الكثيرين يتجاهلون هذا الواقع المرّ المحزن، ومن ثمَّ فإن هذا التباين يعكس بشكل جلي كيف يمكن أن تتحول قضايا مهمة آنية فتصبح بين عشية وضحاها "ضحية" للتريندات العابرة.
ومن هنا، نخلص إلى أن "الترند" يسلط الضوء على ثقافة الاستهلاك السريع للمحتوى في عصر الإنترنت، حيث يمكن لأي شيء بسيط و"هايف" أن يصبح محور اهتمام الجماهير، الأمر الذي يلقي بتساؤلات رعيبة ومخيفة حول مدى ما وصل إليه الوعي العام من تدني وتسطيح جعله أكثر غيابا وسلبية تجاه قضاياه الإنسانية والسياسية الملحة.
تعليقات
إرسال تعليق