التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما علاقة الغموض في الأدب العربي بطابوهات الدين والجنس والسياسة؟



د. نوران فؤاد (أكاديمية وكاتبة وناقدة أدبِيَّة وتشكيلية ومُترجمة من مصر)


لم يكن أحد يسأل عن سر التحريم أو يحاول مناقشته، فما أكثر ما يُحرّم على الأطفال والأولاد ولا يستطيعون مناقشته، وهل يستطيع أحد أن يناقش أباه حين يقول له هذا عيب أو هذا حرام؟

الناس يولدون وهم مزودون بقدرات عقلية متميزة، وبإمكانات تتواصل بغير انتهاء، وبمواهب شتى، وبخيال خصب، إلا أن هذه القدرات، وتلك المواهب، وهذه الإمكانات تظل خبيئة في داخلنا، تحتاج إلى من يخرجها من حيز الكمون إلى حيز التحقّق الخلّاق في الواقع ودون غموض في الإبداع.. فالناس يولدون وهم مزودون بقدرات عقلية إبداعية متميزة، وبإمكانات تتواصل بغير انتهاء، وبمواهب شتي، وبخيال خصب.

ويصبح حين ذلك الإبداع الأدبي مطلبا لا مناص منه، ليجد المبدع القاسم المشترك في النسق المجتمعي والثقافي هو الإبداع، فالإبداع فينا، هو نحن، هو المبدع الإنسان والإنسان المبدع، والاختلاف هنا ليس في جوهر الإبداع بقدر وضوحه وقياسه لمجتمعه الإنساني من خلال الإيمان بأنّ المبدع هنا إمكانية مفتوحة تنطوي على وجود إنساني وثقافي هو الإبداع، فالإبداع فينا، هو نحن، هو المبدع الإنسان والإنسان المبدع، والاختلاف هنا ليس في جوهر الإبداع بقدر وضوحه وقياسه لمجتمعه الإنساني من خلال الإيمان بأنّ المبدع هنا إمكانية مفتوحة تنطوي على وجود إنساني وثقافي ومجتمعي، يتجلى في ثراء نفسي وعقلي ممتلئ، مفعم بالإمكانات والقدرات، بيد أن المبدع يكتب مقيدا في ظل ثقافات متعددة وأجواء إنسانية متباينة، وفي عصر الغموض والتورية سمته لنفسه، وقد يسمح أو لا يسمح ذلك النسق المجتمعي للأديب علي اختلاف الصنوف الأدبية من شعر ونثر… الخروج الآمن بعمله الإبداعي الي ارض الواقع، أو يتم التقييد الإبداعي له التابوهات المجتمعية الثلاثة: (الجنس، الدين، السياسة) …

السياسي في كتابات الشاعرة العراقية المبدعة الكبيرة “نازك الملائكة”، والتي ولدت في بغداد وأقامت في مصر فترة طويلة من (1990 – 2007) حين غلبت الرمزية السياسية تعبيرات قصيدتها (كآبة الفصول الأربعة)..

فالزمن قد يكون رمزا للحكّام، ووصفها أننا كالأشباح يرمز إلى الوضع الذي وصلت له البلاد من تدنّي الوضع المادي والمعنوي والشكلي، تقول الشاعرة:

نحن نحيا في عالم كله دمـ — ـع وعمر يفيض يأسا وحزنا


تتشفّى عناصر الزمن القا — سي بآهاتنا وتسخر منا


في غموض الحياة نسرب كالأشـ — ـباح بين البكاء والآهات


كلّ يوم طفل جديد وميت — ودموع تبكي على المآساة


ثم ماذا؟ في أيّ عالمنا المحـ — ـزن نلقى العزاء عمّا نقاسي؟


عند وجه الطبيعة الجهم أم عنـ — ـد فؤاد الزمان وهو القاسي


وأيضا كما اختلط الديني والسياسي، فكتبت الشاعرة المصرية الدكتورة “نوران فؤاد” وباللهجة العامية المصرية:


الأرض مسجدنا وقبلتنا ونواحينا


ويرسموا خرايط في حقهم لينا


الدم عمره ما يبقي ميه ولاده هيرضينا…


غير لمانتني ميل رقابهم تحت خطاوينا…


وتعود زغاريد الفرحة لطعم الحزن تنسينا


والفرقة تبقي جمعة مباركة وتحلي ليالينا..


ثم يجيء السياسي والجنسي في شعر “أحمد مطر” وقصيدته المتوهجة “يا قدس معذرة” ويحاكيها كامرأة عربية، قال:


يا قدس يا سيدتي


معذرة فليس لي يدان


وليس لي أسلحة


وليس لي ميدان


كل الذي أملكه لسان


والنطق يا سيدتي أسعاره باهظة


والموت بالمجان..

إلى أقصي درجات التحدي المجتمعي لتلك التابوهات في أشعار “محمود درويش” الفلسطيني المبدع العظيم، وفي مكاشفة يحسد عليها… يقول: “إن سألوكَ عن غزة قل لهم بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد”.

ونعود إلى قمة الغموض المجتمعي لرائد مدرسة المهجر العظيم “إيليا أبو ماضي”، يقول: ” كلُّ ما في الأرض من فلسفة لا يُعزّي فاقدًا عمن فقَد”. فمن هنا الفاقد وما فقد غير فقد المواطنة والوطن…

وعودة إلى شعر المرأة المتواري خلف التابوهات المجتمعية: الجنس والدين والسياسة، والشاعرة الكبيرة “لميعة عباس” الآتية من حضارة بلاد الرافدين على خلفية وثنائية الجسد والروح المسكوت عنهما، تقول:


أحتاجُ إليكَ حبيبي الليلةَ


فالليلةَ روحي فرسٌ وحشيّة


أوراقُ البردي أضلاعي فَتِّتْها


أطلقْ هذي اللغةَ المنسيّة


جسدي لا يحتملُ الوجدَ


ولا أنوي أن أصبحَ رابعةَ العدويّة


إذًا هنا الغموض شمولي يجمع بين العناصر الجمالية في القصيد من ذكر وإظهار في القليل وتورية في الكثير بحكم التابوهات المجتمعية أكثر منه رغبة في طلسمة النص هدفها إرهاق المتلقي للعمل الشعري الإبداعي أو العقوبة القرائية للمتلقي، بفعل التوترات المجتمعية والإنسانية المحيطة بالمبدع العربي.

كما يرجع ذلك أيضا إلى طلسميّة كثير من المفردات العربية على تنوعها، ومثال لذلك ما يحاك أدبيا حول الليل فهو الليل الطويل، السرمدي، اللامتناهي، الداجي، الدجي، الحالك، البهيم.. وهذه مفردة واحدة فما بالنا بلغة معجمية خاصة بكل شاعر وما تعوّده في سرديّته ونظمه ومتابعاته المجتمعية وكتاباته؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات شهدت مشاركة كل من المهند

من تراث المجمعيين: الدكتور حسن علي إبراهيم

أصدر مجمع اللغة العربية ضمن سلسلة "من تراث المجمعيين" الكتاب الأول فيها، وهو بعنوان "الدكتور حسن علي إبراهيم". هذا العمل الذي قام على إعداده وتصنيفه وترتيبه فريق عمل دءوب برئاسة أ.د.حافظ شمس الدين عبدالوهاب، وأ.د.أحمد زكريا الشلق (عضوي المجمع)، والأساتذة كبيري محرري المجمع: خالد مصطفى، وجمال عبد الحي، وحسين خاطر، وإلهام رمضان علي. جدير بالذكر أن هذا العمل العلمي الرفيع القدر قد استغرق العمل فيه عدة سنوات، وأن أ.د.صلاح فضل (رئيس المجمع السابق) قد صدَّر لهذا السِّفْر الكبير قبيل وفاته. وقد جاء في تصدير سيادته: "منذ صدور المرسوم الملكي بإنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة في الثالث عشر من ديسمبر عام 1932م، وعبر هذا التاريخ الممتد ظفر بعضوية هذا المجمع لفيف من العلماء والمفكرين والكتاب الرواد، واللغويين النابهين، وعدد من المستشرقين ممن لهم سهمة جلية في تحقيق التراث العربي ودراسته. وقد حرص هؤلاء العلماء منذ انتخابهم أعضاء بالمجمع على تقديم عصارة فكرهم، وخلاصة تجاربهم العلمية والحياتية، فجاءت بحوثهم المجمعيّة دالة على أصالتهم وجدتهم وعمق معارفهم وتنوع منابع ثقافتهم، ور

د. حنان شكري تكتب عن قضايا إثبات النسب

  د.حنان شكري أستاذ الأدب المساعد كلية اللغات والترجمة في الآونة الأخيرة طرقت مسامع المصريين كلمات جديدة، دخيلة على عاداتهم وتقاليدهم، من أمثلة ذلك: عبارة إثبات النسب، وبالتالي اكتظت أروقة محاكم الأحوال الشخصية بقضايا تُرفع لإثبات النسب، أو لعدمه، وفي حقيقة الأمر لابد أن هناك أسبابا عديدة لتلك الظاهرة، لعل أهمها غياب الدين وإهمال القيم والمبادئ التي تربينا عليها منذ الصغر، هذه المفردات الغريبة على المجتمع المصري تنذر بشر مستطير، إذا لم تتصد لها كل الجهات المسئولة، وأولها الأزهر الشريف، والمجالس التشريعية والنيابية، علاوة على دور الأسرة؛ فهي المسئول الأول عن هذا الكيان. إنه من الموجع حقا أن نجد تلك القضايا معلنة من ذويها على السوشيال ميديا، دون خجل أو حياء، وعلاوة على أنها قضايا تمس الشرف؛ فهي تؤذي نفوسا بريئة، تؤذي أطفالا صغارا ليس لهم ذنب أو جريرة، وإنني أتساءل: هل اغتيال شرف طفل وسمعته يساوي لحظات لذة محرمة عابرة؟!  والمؤسف أن مثل هذه القضايا يمتد لسنوات، فماذا جنى هؤلاء الصغار، ليكبروا فيجدوا أنفسهم على تلك الحالة بين أم تسعى لإثبات نسب وأب يتنكر لهذا النسب. وإنني كإنسانة ومواطنة مص