التخطي إلى المحتوى الرئيسي

امرأة بقيمة أمة



أمنية الإمام 

لطالما كنت أحب الاستماع إلى حكايات الناس في المواصلات،  فهذا يحكي موقفا عصيبا مر به، وذاك يحكي حزنه بطريقة أقرب للفكاهة، وتلك تحكي إنجازات أبنائها متباهية بهم،  وأخرى تشتكي من قسوة زوجها وتلعنه وتلعن معه كل الرجال، وغيرها من حكايات كثيرة جدا تضحكني وتبكيني في آن واحد. 

أتذكر جيدًا أنه أثناء عودتي من الجامعة أحد الأيام، وأثناء ركوبي إحدى سيارات الأجرة لعودتي للمنزل،  جلست بجواري سيدة شابة، ولكن ملامح وجهها وهيئتها الجسدية ترويان عكس ذلك، فخطوط الزمن تملأ وجهها، وعلامات الحزن تخيم على ملامحها وابتسامتها، ولكن عينها كان فيها شيء من الأمل الممزوج بالحزن والخوف،  كانت ترتدي ثيابا رثة، على ما يبدو أنها كانت عائدة من يوم عمل طويل وشاق. 

نظرت لي وللكتب التي أحملها في حالة إعجاب شديد، ثم قالت:  "معلش لو كنت زنقاكي في المكان" ابتسمت لها وأخبرتها أنني مرتاحة في جلوسي هكذا، ثم دخلت معي في حوار استمر طوال الطريق، ظلت تحدثني عن حياتها وعن أبنائها،  وأن لديها ثلاثة أبناء، بنتين والولد أصغرهم. 

لم تحدثني عن البنتين بقدر حديثها عن الولد، ومدى حرصها على تعليمه ورغبتها الشديدة بأن يصبح شخص ذا قيمة وقامة في المجتمع، ومدى حرصها على أن يحفظ كتاب الله، وأنها تتابع دروسه وكُتابه بدقة شديدة، وأنها تعمل ليل نهار حتى تستطيع أن توفر له كل ما يريده. 

سألتها لماذا لا تفعلين ذلك مع البنات أيضًا؟  ردت قائلة:  «والبنات كمان..  بس هو عندي أهم، ده حنين عليا أووي، وكمان شاطر». دعوت الله بأن يحفظه لها ويبارك فيه. 

ثم عدت لأسألها عن البنتين مرة أخرى، ولكن الطريق كان قد انتهى وأخرجنا السائق من حديثنا بجملة:  «حمد الله على السلامة يا جماعة..  وصلنا»!. 

يا أم عبد الرحمن كنت أتمنى لو أن الطريق والوقت طال بنا أكثر من ذلك، كنت أخبرتك أن ابنتيك لا تقلان أهمية عن ابنك،  وأن نجاحهما وتفوقهما سيحققان لكِ الفخر والتباهي أيضًا، وأن حرصك على تعليمهما ونجاحهما يجب ألا يقل أهمية عن حرصك على تفوق ابنك ونجاحه، وأن نجاح عبد الرحمن وتفوقه سيضيف لمجمتعنا شخصا جديدا ناجحا،  ولكن تفوق ابنتيكِ سيصنع لنا أمة ناجحة وواعية ومسؤولة. 

يا أم عبد الرحمن ويا كل أم عبد الرحمن، توجد مقولة عظيمة مؤداها:  «أن تربي ولدًا فأنت تربي فردًا، ولكن أن تربي فتاة فأنت تربي أمة».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات ...

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين. هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...