محمد الأمين أحمد البس
لا يختلف اثنان على أهمية القدوة الحسنة كعنصر أساسي لبناء الشخصية
المتكاملة القادرة على مواجهة المستقبل ومواكبته والتكيف معه.
وبناء هذه الشخصية يعني إعدادها إعدادًا متكاملًا جسديًا ووجدانيا ولا
يتحقق لأبنائنا الوصول إلى هذه الغاية إلا إذا وجدوا أمامهم القدوة الصالحة.
§
ونستهل حديثنا بهذا السؤال: من هم القدوة للأبناء؟
ونجيب فنقول: تتفتح عيون الأبناء على أمهاتهم وأبائهم فيقلدونهم ويتعلمون
منهم الكثير ثم ينتقلون إلى المجتمع المدرسي حيث يقفون مع أساتذتهم الساعات
الطويلة. وهنا يبرز دور المعلم وما يجب أن يغرسه في نفوس تلاميذه من مبادئ
وسلوكيات.
§
ولذلك نقول: إذا كانت الأبنية التعليمية والأجهزة والمعامل الحديثة والكتب
الدراسية مهمة، فإن الأهم من كل هذا هو المعلم؛ لأنه حجر الزاوية القادر على توظيف
كل هذه الإمكانات لخدمة التلميذ.
§
وإلا فما قيمة الكتاب الجيد والمنهج المتطور إذا لم يتوفر المعلم القادر
على شرح هذا المنهج؟ وما قيمة البناء المدرسي النموذجي إذا لم يوجد المعلم القدوة
الذي يستغل هذا البناء المدرسي استغلالًا صحيحًا لكي يقوم بأهم دور في العملية
التعليمية وهو بناء العقول وتنمية المواهب.
فإذا غاب المعلم القدوة لا يجدي كتاب ولا منهج ولا بناء.
وإذا كان جوهر عمل المعلم هو إيصال المادة العلمية إلى تلاميذه فإن عليه أن
يضع نصب عينيه أن له دورًا أهم وأكبر وهو مسئوليته كمثل أعلى لتلاميذه وقدوة صالحة
لهم؛ لأنهم سيقلدونه ويتتبعون خطواته في كل سلوكياته وفي كل كلمة يتفوه بها، بل
وفي ملبسه وهيئته العامة.
ولكن ما هو الأثر الذي يعود على المجتمع عندما يتوفر المعلم القدوة؟
إننا إذا نجحنا في إعداد المعلم القدوة نكون بذلك قد أعددنا المناخ الملائم
لبناء جيل يتسلح بالعلم ويتحلى بالخلق والمبادئ التي يفتقدها كثير من أبناء هذا
الجيل.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن
هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
§
وعندما تنجح الأمة في إعداد جيل من أبنائها متسلح بالعلم متحل بالأخلاق.
فلا شك أن مثل هذا الجيل يستطيع أن يقود الأمة من نجاح إلى نجاح لأننا سنجد في كل
موقع رجلًا كفأً في تخصصه أمينًا في تعامله، طاهر اليد عفيف اللسان.
§
عندما نربي جيلًا صالحًا سوف يكون في هذا
المجتمع الأم الصالحة والتاجر الأمين والصانع الماهر والعالم الفذ والمربي الفاضل
والطبيب الإنسان والداعية المخلص والمعلم الناجح.
§
وباختصار سوف نجد في كل موقع إنسانًا رجلًا أو امرأة كل يؤدي عمله بأمانة
وإتقان يخشى حساب ربه قبل أن يخشى عقوبة المتابعين والرؤساء. لأنه يؤمن بأن الله
مطلع عليه، وأنه تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في المساء وأنه تعالى لا
يضيع أجر من أحسن عملًا.
§
لذلك أناشد المسئولين عن التعليم؛ إن مستقبل هذا الجيل أمانة في أعناقكم،
عليكم الاهتمام بإعداد المعلم والتدقيق في اختباره والحرص على انتقاء العناصر
الصالحة من الطلاب للالتحاق بكليات التربية، فكما تدقق كلية الشرطة والكليات
العسكرية في اختبار الطلاب المتقدمين للالتحاق بها، نطالب كليات التربية أن تضع
القواعد والمعايير والشروط التي يجب توافرها في كل من يتقدم لكليات التربية.
§
وهذا نداء إلى كل معلم: أيها المعلم، دعني أوصيك بما أوصاني به أبي (رحمه
الله) عندما عُينت مدرسًا في عام 1968م، "إن هذه المهنة تتطلب منك الكثير من
الجهد فهي أمانة في عنقك فانظر أية مسئولية خطيرة ألقيت على كاهلك فأخلص النية لله
في توجيه طلبتك إلى الصراط المستقيم، واربطهم بدينهم رباطًا وثيقًا، وحاول ما
استطعت أن تجعلهم يلمسون ما لله من قدرة في كل ناحية من نواحي علمهم الذي اختصصت
بتربيتهم فيه، هذا من ناحية دينهم، أما من ناحية أسرتهم فاملأ قلوبهم بحب والديهم
وطاعتهم والإحسان إليهم. واربط بينهم وبين مجتمعهم الذي يعيشون فيه وحقوق المجتمع
عليهم. أشربهم محبة الخلق والعطف عليهم ومدَّ يد المعونة لهم والله في عون العبد
ما دام العبد في عون أخيه، ثم لا تغفل جانبك الذاتي فاملأ قلبك بالإخلاص لربك
وبالحرص على نفع الذين أوكل إليك أمرهم، واجعل من نفسك رقيبًا على نفسك، واحفظ
عليها طهرها ونبلها ورحمتها لأنها إن خلت من ذلك فلن تستطيع أن تفيضه على غيرها
وفاقد الشيء لا يعطيه".
§
وأخيرًا أوصيك أيها المعلم، فهؤلاء الأبناء أمانة في عنقك فاحذر كل الحذر
أن تنسى أنك مسئول أمام الله عنهم واحرص على أن تكون قدوة صالحة لهم، وذكرهم
دائمًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق".
وكما تدفعهم إلى الجد والاجتهاد في علومهم، اغرس فيهم الأمانة والصدق
والرحمة والمروءة والإيثار وغيرها من مكارم الأخلاق واجعلهم يشعرون دائمًا أنك
قريب منهم، فلا تبخل عليهم بنصائحك وتوجيهاتك واجعلهم ينهلون من عطفك الأبوي
عليهم، لأنهم إن أحبوك تعلقت بك أفئدتهم وأصغت إليك مسامعهم فتصل من أقرب طريق إلى
عقولهم وعندئذ تحمد الله تعالى على توفيقه وعونه لك وأنت ترى غرسك الطيب ينمو
ويزهر ويثمر.
تعليقات
إرسال تعليق