بقلم/ لواء أ.د. محمد رضا عوض
بانهزام الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، ورحيل قواتها من سوريا سنة 1918م، دخلت القوات العربية إليها التابعة للشريف حسين والمتحالفة مع الإنجليز بقيادة أبنائه فيصل وعبدالله، وإعلان فيصل بن الحسين ملكا على سوريا فى الأول من أكتوبر سنة 1918م، لكن سرعان ما انقلبت فرنسا وبريطانيا على هذا الاتفاق مع العرب، وأنفذوا اتفاقهم الشهير «سايكس بيكو» لتقع سوريا تحت الانتداب الفرنسى فى 24 يوليو سنة 1920م والذى استمر 26 عاما ذاقت فيه سوريا ويلات الاحتلال الفرنسى وألاعيبه الذى كان مبدؤه (فرق تسد) فنتجت عنه دول مثل دولة حلب ودولة دمشق اللتين أصبحتا دولة سوريا (1924-1930)، ودولة جبل العلويين ودولة جبل الدروز، تحولت هذه الدول ذاتية الحكم إلى جمهورية سوريا المنتدَبة عام 1930. وفى عام 1946 حصلت جمهورية سوريا على الاستقلال وأعقب ذلك عدة انقلابات عسكرية إلى أن تمت الوحدة مع مصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة فى فبراير 1958 حتى حدوث الانفصال عام 1961 .
منذ ذلك الحين بدأ الصراع بين الطوائف المتعددة فى سوريا للوصول الى مقاليد الحكم حتى نجحت الطائفة العلوية، بالرغم من صغر عددها عن الطوائف الأخرى، وبقيادة حافظ الاسد بالاستيلاء على الحكم عام 1970 واستمر يحكم هو ونجله بشار سوريا بالحديد والنار لمدة تزيد على خمسين عاما، وشاهدنا عبر وسائل التواصل الاجتماعى بعد سقوط النظام وسائل التعذيب الرهيبة التى كانت تستخدم لقمع المعارضين للنظام خصوصا بعد مايسمى بالربيع العربى وظهور الفصائل المسلحة على الساحة والحرب بينها وبين الجيش السورى الذى اعتمد فى تكوينه على الأقليات التى تحمى نظام الأسد وليس لحماية الوطن وسمى (بجيش الأسد).
ومنذ ذلك الحين دخلت سوريا فى عصر فوضى من الصعب السيطرة عليها وأصبحت مطمعا للقوى الكبرى كالولايات المتحدة وإيران واستدعى الأسد الجيش الروسى لحماية نظامه والدفاع عنه وكذلك القوات الإيرانية وقوات حزب الله اللبنانية. ولكن، وبعد ان قامت إسرائيل باغتيال قادة حزب الله وتصفيته فى لبنان، اجتاحت الفصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام المدن السورية الرئيسية مع تقهقر منظم للجيش السورى (جيش الأسد) وهروب بشار الأسد الى روسيا حتى استيلاء قوات الفصائل المعارضة على دمشق، والذى يوحى بأن هناك اتفاقا مسبقا بين القوى التى تساند الفصائل المعارضة والتى تساند نظام الأسد على إسقاط هذا النظام.
والسؤال الأصعب كيف تخلى الجيش السورى عن الحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها وانهار فى عدة أيام، والجواب لأنه يعتمد فى تكوينه على الأسس الطائفية وليس على الانتماء الوطنى، والذى أعطى إسرائيل الفرصة للقضاء على مقوماته فى أكثر من 250 غارة جوية والاستيلاء على مابقى من أرض الجولان ويعلن نيتانياهو أن أرض الجولان إسرائيلية إلى الأبد، وهذا أيضا يؤكد الوجه الآخر للدولة الصهيونية، فبدلا من ان تمد يدها للنظام الجديد وتدعوه الى السلام، تشعل فتيل الحرب معه من البدايه وهذا يؤكد التوسع الاستيطانى للنظام الصهيونى وليس السلام مع جيرانه كما يزعم. هذا ملخص لتاريخ سوريا عبر قرن من الزمان يغلب عليه عدم الاستقرار للدولة وتغلب الطائفية ومصالحها على الدولة الموحدة وكيانها.
فهل ينجح النظام الجديد فى وضع دستور يحمى البلاد من الطائفية الدموية التى جرَّت البلاد إلى الخراب والدمار والحرب، بدأها الفرنسيون والإنجليز منذ نهاية الحقبة العثمانية، ومازالت على يد الروس وأمريكا وتركيا وإيران وغيرهم. بعد مرور أسابيع على تولى أحمد الشرع قيادة سوريا من المهم أن تترجم الأقوال إلى أفعال على أرض الواقع فى بناء سوريا الجديدة عبر عملية سياسية انتقالية شاملة لجميع المكونات وبعيدا عن أى تدخلات خارجية.
تعليقات
إرسال تعليق