د. مصطفى رجب
ينقسم العرب حين يتحدثون عن المستشرقين عادةً ثلاثة أقسام : قسم واضح في عداوته للمستشرقين والحط من قدرهم والإزراء بما أنتجوا من مؤلفات تتصل بتراث المسلمين . وقسم ثان فخور بهم يثني خيراً على ما أسدوه من خدمات ، ويدافع عنهم بحماسة واضحة . وقسم ثالث يصطنع لنفسه الموضوعية والحياد . فهو معهم ما أحسنوا ، وهو ضدهم إذا بدا له منهم ما يريبه .
ولست أشك في أن أسباب كل موقف من هذه المواقف الثلاثة أسباب انفعالية عاطفية ، حتى الفريق الثالث الذي يريد أن يوحي لنا بأنه متعقل يزن الأمور بميزان العدل والحيدة ، ليس في نظرنا سوى إنسان يريد أن يحاكم إنتاج الآخرين على حسب ما يراه هو صواباً أو خطأً . ُثم إن هذا الفريق الثالث يمثل في رأينا نوعاً من التميع والضبابية ورمادية الرؤية وإمعية الفكر . وإنما الموقف الصحيح في رأينا أن يكون للمسلم موقف صارم حازم حاسم واضح : إما معهم أو عليهم .أن نقبل كل ما يكتبون ، أو نشك في كل ما يكتبون ونعلوه بمعاول النقد العلمي الصريح الذي لا مداراة فيه .
وممن دافعوا عن المستشرقين بحماس ، وإذا أشاروا إلى تعصبهم أشاروا إشارة هينة لينة ، المؤرخ الراحل الدكتور حسين مؤنس وفيما يلي نقتبس فقرة تعكس النموذج الذي يمثله موقفه من المستشرقين ، يقول د. حسين مؤنس : [ مجلة العربي الكويتية ، العدد 66، مايو 1964 ] “ فمنذ زمن بعيد ونفر ممن لا يقرأون الكتب الغربية في لغاتها يصرون على أن كل ما كتبه المستشرقون عنا تحامل وعصبية ، حتى ثبت في أذهان بعض قرائهم أن كل مستشرق عدو .
وهذه فكرة خاطئة ، فإن الكثيرين جداً من المستشرقين منصفون ، وقد قالوا الحق كما تصوروه . حقيقة هناك ناس متحاملون من أمثال الويس استبرنجر وهنري لامانس Henri Lammans والأب زويمر Zweimer ومن إليهم ، ولكن إلى جانب هؤلاء هناك علماء أجلاء لا يستطيع الإنسان إلا تقديرهم واحترامهم ، وإذا وجد المسلم في كتاباتهم ما لا يرضيه فليس من الضروري أن يكون ذلك صادراً عن سوء نية ، بل هذا هو الحق كما رآه ، وما دام قد صدر فيما يكتبه عن إخلاص فنحن نحترم رأيه وإن لم يرضنا”.
فانظر إلى الدكتور مؤنس كيف يهون من شأن مغالطاتهم ويصفها بأنها ( قد لا ترضينا ) ثم يستأنف إشادته بهم فيقول :
“ ولا ننسى كذلك أن أولئك المستشرقين خدموا لغتنا وعلومنا خدمات جليلة ، ويكفي أننا تعلمنا منهم تحقيق النصوص ونشرها ، وطريقة البحث العلمي الصحيح على أساس من النصوص ، ومهما كان في آرائهم مما لا يرضينا فهي آراء لا تنقص من قيمة الخدمة التي قاموا ويقومون بها”.
وإذا أمعنّا في البحث عن رأي الدكتور مؤنس في كارل بروكلمان شخصياً بوصفه واحداً من أهم المستشرقين الذين لقيت أعمالهم رواجاً عظيماً بين المثقفين العرب على اختلاف مشاربهم ، وجدنا له مقالاً كاملاً اختص به كارل بروكلمان ونشره في مجلة العربي الكويتية أيضاً ( العدد 139 الصادر في يونيو 1970 ) وقد قدم لهذا المقال على مدى صفحتين موجزاً رؤيته التي أشرنا إليها من المستشرقين بعامة . ثم انتقل إلى الحديث عن بروكلمان وموقعه بين المستشرقين فقال :
“ وفي مقدمة أولئك الأفذاذ الذي قدموا للدارسات العربية في العالم أجل الخدمات كارل بروكلمان Carl Brocklman الذي أكمل سلسلة معاجم أسماء الكتب والمؤلفين العرب وتراجم حياتهم وأهم مؤلفاتهم . لقد اشترك في كتابة هذه السلسلة أعلام من أمثال ابن خلكان وياقوت الحموي وابن النديم وحاجي خليفة ، ثم جاء هذا الألماني الفريد فأربى على كل ما فعله غيره ، فإن أولئك الذين ذكرناهم آنفاً كتبوا عن أهم " المؤلفين والمؤلفات " ، فجاء بروكلمان وكتب عن " كل " المؤلفين والمؤلفات ، أي أنه عمد إلى الاستيفاء والشمول ، وهذا هو المطلب العسير ، لأنك إذا قلت إنك ستذكر " أهم " المؤلفين فتحت لنفسك باباً واسعاً للاعتذار عن النسيان وتبرير السهو ، أما إذا قلت " كل " المؤلفين فقد ألزمت نفسك بالإحصاء الشامل وأقفلت على نفسك باب الاعتذار والتبرير ” .
وبعد أن لخص الدكتور مؤنس لقارئه حياة بروكلمان انتقل للحديث عن كتابه الخطير ( تاريخ الآداب العربية ) فأوسعه إشادة وتقريظاً وحمداً ومدحاً . ولم يبد أية ملاحظة تغض من قدر الكتاب على رغم ما فيه من مطاعن اتضحت فيما بعد للدارسين المنصفين .
على أن حديثنا في السطور القادمة لن يتجه إلى كتاب بروكلمان الضخم ( تاريخ الآداب العربية ) وإنما سنخصصه لكتاب آخر لا يقل خطراً عن تاريخ الأدب العربي وهو كتاب ( تاريخ الشعوب الإسلامية ) وهو كتاب شديد الخطر حقاً . لأسباب كثيرة منها ما يمثله مؤلفه من مكانة مرموقة كما أشرنا آنفاً ، ومنها ضخامة حجم هذا الكتاب فطبعته العربية التي بين يديَّ الآن تقع في نحو تسعمئة ( 900 ) صفحة وهي الطبعة الثانية عشرة منذ الطبعة الأولى التي صدرت عام 1948م. وقد نقله إلى العربية الأستاذان نبيه أمين فارس ، ومنير البعلبكي ونشرته دار العلم للملايين ( البيروتية ).
وقد أشار المترجمان في مقدمة الطبعة الأولى إلى ما يمثله الكتاب من أهمية متجها نهج د. مؤنس في رفع شأن الكتاب وصاحبه ، ثم قالا وهما يهونان من شأن دسائس بروكلمان بأسلوب فيه لين واسترخاء :
“ وإذا كان في الكتاب بضعة آراء [ لاحظ استخدام : بضعة ] خاصة بالمؤلف تتنافى أحياناً [ لاحظ استعمال : أحياناً ] مع وجهة النظر الإسلامية ، فقد عهدنا بالتعليق عليها إلى زميلنا الدكتور عمر فروخ أستاذ الفلسفة في كلية المقاصد الإسلامية في بيروت . . . ولسنا في حاجة إلى القول إن هذا لا يفيد ، بالضرورة ، موافقتنا المؤلف على آرائه الباقية جميعاً . لأننا لم نستهدف بالتعليق إلا تلك الآراء التي تتصل بحياة الرسول وتعاليم الإسلام ”.
وقد ظن المعربان الفاضلان أنهما بهذا النص الهين اللين قد ضمنا براءة ساحتهما من موافقة المؤلف إذا جد الجد ، ووضح أن المؤلف يدس السم في الدسم ، كما أنهما أوضحا أن اهتماماتهما بأمر المراجعة التي وكلاها إلى الدكتور عمر فروخ ، قد انصب على حياة الرسول – صلى اله عليه وسلم – وتعاليم الإسلام .
والواقع أن في الكتاب مآخذ شديدة الخطر ، لا نزعم أن الدكتور عمر فروخ لم يلتفت إليها ، ولكن بقاءها في الكتاب إلى اليوم على حالها دون تعليق ، أمر يستثير حفيظة كل مسلم غيور ، من الباحثين المدققين .
وفيما يلي سنذكر مجرد نماذج مما نرى أنه مطاعن لا يسوغ السكوت أمامها . فقد يؤخذ بها أشباه الباحثين من الأجيال الجديدة من طلاب العلم ويتقبلونها على علاتها دون تمحيص لا لشيء إلا لأنها صادرة عن ( طوطم ) كبير اسمه : كارل بروكلمان
1- التشكيك في المكانة الاجتماعية للهاشميين :
من المسلم به بين المؤرخين - عرباً وعجماً - أن زعامة قريش قبيل البعثة المحمدية كانت لبني هاشم بعد محاكمة شهيرة قض فيها كاهن خزاعي لهاشم [ واسمه عمرو العلاء ] بسدانة الكعبة بعد أن نازعه إياها أمية بن عبد شمس ابن أخي هاشم الذي خرج إلى بلاد الشام ثم لابنه عبد المطلب من بعده ، ولا يخفى على أحد أن تلك المهمة كانت هي موئل الشرف ، وسر الزعامة التي انعقدت للهاشميين .
تلك حقائق لا ينكرها إلا من كان في قلبه مرض أو في نفسه غرض ، فما موقف بروكلمان من تلك الحقيقة التاريخية ؟
إنه يقول في كتابه ( تاريخ الشعوب الإسلامية ) ( ص 34 ) : “وليس يبدو أن عشيرة ، هاشم ، قد لعبت دوراً على شيء من الامتياز في مكة ” وهل هناك امتياز في عرف العرب ، أيها المستشرق المنصف !! أكبر من سدانة الكعبة؟
وقد قال بروكلمان كلمته تلك في سياق فقرة طويلة شكك فيها في كل شيء : في تاريخ ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم حيث رجح تأخيره عما هو معروف لدى المؤرخين من أن مولد الشريف كان نحو عام 570 من ميلاد المسيح عليه السلام . متبعاً في ذلك سنن الأب هنري لامنس المعروف بتعصبه وقد رد عليه العلامة عمر فروخ في تعليقه على هذه النقطة فقال:
“ كانت ولادة محمد رسول الله عام 570-571 للميلاد على وجه التقريب ولكن لم تكن بعد ذلك بزمن طويل .والأب هنري لامنس اليسوعي قد حاول أن يؤخر ذلك عشر سنوات حتى ينقض القول الشرعي الذي يقول إن محمداً بعث على رأس الأربعين من عمره ويخرج إلى القول إنه ما دام الأنبياء يبعثون على رأس الأربعين ومحمد قد صدع بالدعوة على رأس الثلاثين فمحمد ليس نبياً . ولا منس غير ثقة في البحوث الإسلامية لأن غايته الدس لا البحث عن الحقيقة .ويلام بروكلمان على الأخذ برأي لامنس ، فلامنس معروف في أوربا بهذه النزعة ” .
كما شكك في الحالة المالية لعبد الله بن عبد المطلب وفي حالة أسرته بوجه عام دون أن يسوق على ذلك دليلاً واحداً . وفيما يلي نص فقرته :
“ لسنا نعلن علم اليقين السنة التي ولد فيها النبي . والمشهور أن ولادته كانت حوالي 570 ، ولكن الذي لاشك فيه أنها متأخرة عن ذلك بعض الشيء ، وليس يبدو أن عشيرته . هاشم ، قد لعبت دوراً على شيء من الامتياز في مكة . والواقع أن الروايات الإسلامية قد سعت إلى أن تحيط النبي بهالة من التمجيد منذ اللحظة الأولى ، ولكن هذا لا ينفي حقيقة مقررة . وهي أن أسرته كانت تعاني في الحقبة التي وُلد فيها ظروفاً قاسية جداً . والمعتقد أن والده ، عبد الله بن عبد المطلب ، كان تاجراً صغيراً ” .
2- التشكيك في مكانة المرأة في الإسلام :
من المسلم به بين المؤرخين أن العرب في جاهليتهم كانوا يرثون المرأة ضمن ما يرثونه عن آبائهم . بمعنى أن المرأة كانت متاعاً كالدواب ، تُملك وتورث ، بل كان بعضهم ينكح ما نكح آباؤهم من النساء . فلما جاء الإسلام نالت المرأة من الحرية ما لم تنله من قبل ، ونالت حريتها الاقتصادية ، بنوع خاص ، على نحو لم يكن معهوداً ، وكفل القرآن لهن تلك الحرية بنص قاطع فذلك حيث يقول جل شأنه { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن . . . }[ النساء/32] ومثل هذه الآية آيات كثيرات حفظت للمرأة حقوقها بعامة ، وحقوقها المالية بخاصة . ولكن هذا كله لم يقنع المستشرق ( المنصف !!) كارل بروكلمان فيقول :
“ وعندما شب محمد عمل في تجارة لخديجة ، وهي ثيب غنية ، كانت تستقل بتجارة ورثتها من زوجيها السابقين ، ذلك بأن نساء العرب في الجاهلية ، والمستقلات منهن اقتصادياً بصورة خاصة ، كن يتمتعن بحرية أوسع بكثير من التي تمتع بعا النساء في العهود التوالي ” .
3- الفجور في الاستنتاج :
ومن مجازفات بروكلمان القبيحة ، واستنتاجاته الفاجرة ، عند حديثه عن الهجرة إلى الحبشة مقولة إن النبي ، كان يعتبر أن دينه لا يختلف اختلافاً كبيراً عن النصرانية !! حيث يقول بروكلمان :
“ من أجل هذا عزم النبي على أن يقي بعض أتباعه ، على الأقل ، من أذى مضطهديهم ، بواسطة الهجرة . وإذ كان لا يعتبر ، في ذلك الوقت ، أن دينه يختلف اختلافاً كبيراً عن النصرانية فقد وجه أتباعه إلى أراضي النجاشي ، أقرب ممثل سياسي للنصرانية يمكن أن يحتمي به ” .
ولا ندري من أين جاء بروكلمان بهذا الاعتقاد . ومن المعروف أن الهجرة الأولى للحبشة حدثت في شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة وكان القرآن المكي قد بدأ يتنزل على رسول الله وسورة الإخلاص التي هي أم التوحيد والتي تنفي عن الخالق جل وعلا أن يلد أو يولد كانت السورة الحادية والعشرين مما نزل بمكة وهما سورتان فاصلتان بين الإسلام والنصرانية .
4- سوء التعبير وسوء النية :
ومن بذاءات بروكلمان في حق النبي مواضع كثيرة لم يهتم مر فروخ بتعقيبه فيها - ربما لكثرتها - ومن أمثلتها :
4/أ - قوله عن النبي وهو يتحدث عن فتح مكة :
“ وعندما بلغ محمد الكعبة طاف بها سبعاً على راحلته ، لامساً الحجر الأسود بعصاه في كل مرة ، وبذلك ضم هذا الطقس الوثني إلى دينه ” والذي يعرفه المؤرخون ورواة السيرة أن الرسول حين طاف بالكعبة عام الفتح على ناقته ومحمد بن مسلمة آخذ بزمامها ، كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً مرصوصة بالرصاص . فكان كلما مر بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، فيقع الصنم لوجهه .
فجعل بروكلمان هذه الإشارة بالقضيب إلى الحجر الأسود طقساً وثنياً أضافه محمد إلى دينه !!.
4/ب - اتهامه رسول الله بقتل بعض خصومه يوم فتح مكة ثم قال إن ممن قتلهم الرسول مغنيتين كانتا “ أنشدتا بعض الأغاني في السخرية به ”
والمعروف في كتب التاريخ والسيرة أن تينك المغنيتين هما : قريبة وفرتنا جارتي ابن خطل - الذي ارتد عن الإسلام وهجا النبي بشعره - وكانتا تغنيان أشعاراً فيها هجاء للنبي فلما أهدر الرسول دمهما قتلت قريبة وهربت فرتنا ، ثم عفا الرسول عنها وعاشت إلى عهد عثمان بن عفان .
4/جـ - ومرة أخرى ، يرجع بروكلمان إلى اتهام الدين بالوثنية فيقول ( ص 65 ) :
“ فبعد فتح مكة تحمل النبي صابراً ، أول الأمر ، الاحتفال بموسم الحج على الطريقة الوثنية القديمة ” . وهذا القول رجم بالغيب وسوء أدب ليس له أساس من عقل أو تاريخ أو اجتهاد .
5- تزوير التاريخ :
وفي حديثه عن غزوة تبوك يتعمد بروكلمان تزوير التاريخ فيقول في سفه ظاهر :
“ ولم يقدر لمحمد نفسه أن يخوض غمرات القتال من جديد إلا مرة واحدة . وذلك بأن الهزيمة التي أنزلها البيزنطيون بجيوشه ، في مؤتة ، ظلت على كل حال بلا ثأر . ومن هنا أمر أصحابه ، في أشد أيام الصيف قيظاً من سنة 630 ، بأن يحملوا على البيزنطيين . ولسنا نعرف على اليقين ما الذي دعاه إلى انتهاج هذه السبيل في ذلك الوقت بالذات .فقد يكون قصد إلى أن يشغل أتباعه المدنيين الذي كانوا لا يزالون في حال من عدم الارتياح بعد توزيع غنائم حنين . ولعله كانوا يرجو إخضاع ما بقي من نصارى العرب ، الذين كانت بيزنطة من ورائهم ، تمدهم وتساندهم . ثم إنه خرج بجيش عظيم يبلغ عدد رجاله ثلاثين ألفاً ووجهته الشمال ، حتى إذا بلغ تبوك ، وهي واحة تزهو بما ينبت فيها من حنطة ونخيل ، قرب الحدود البيزنطية ، توقف بعد أن نال منه الجهد ، واستشعر وطأة السن العالية ، ولعله اقتنع بأن خططه للهجوم على الروم أمست غير ذات غناء . وهناك جاءه صاحب " أيلة " ( العقبة اليوم ) عند الطرف الشمالي الشرقي ، من جانب البحر الأحمر الأيمن ، وكان نصرانياً ، فأقسم له يمين الطاعة، فمنح الرسول نصارى تلك المنطقة حرية العبادة أيضاً مقابل تعهدهم بأداء الجزية ”.
وفي النص السابق عدة مغالطات سخيفة :
5/أ - فقد خاض رسول الله بنفسه غمرات القتال مرات عديدة . وليس مرة واحدة.
5/ب - وقوله “ ولسنا نعرف على وجه اليقين ما الذي دعاه إلى انتهاج هذه السبيل ” - يعني بذلك مسيرته إلى تبوك - فلا يخفى عليه ، وهو المتخصص في تاريخ العرب ، أن أنباء كثيرة وصلت إلى المدينة بأن البيزنطيين يحشدون الحشود لغزو المسلمين في المدينة . فكان لابد من الخروج لمقابلتهم على حدود الجزيرة الشمالية . وهو ما أجمع عليه مؤرخو السيرة فكيف جهله بروكلمان ؟ أم تراه تجاهله عمداً ليظهر البيزنطيين كما لو كانوا ضحايا لغزو خارجي ؟
5/جـ- وقوله “ أتباعه المدنيين الذين كانوا لا يزالون في حال من عدم الارتياح بعد توزيع غنائم حنين ” فيه مغالطة تاريخية كبيرة فبعد أن اجتمع الرسول بالأنصار فخطب فيه خطبته الشهيرة التي ورد فيها رضاهم برسول الله بدلاً من الغنائم ارتاحت نفوسهم واقتنعوا بما قسم الله لهم من الغنائم ، حتى لقد بكوا وتأثروا وكادوا ينزلون عما نالوه إرضاءً للرسول .
5/د- وقوله “ توقف بعد أن نال منه الجهد واستشعر وطأة السن العالية ” هذه العبارة ما وبعدها فيها إساءة بالغة متعمدة ، فالرسول لم يتوقف لما ناله من مشقة ولا لكبر السن ، وإنما توقف لأن أخباره كانت قد وصلت إلى الروم قبل أن تصل جيوشه إلى تبوك كما بلغت الروم أخبار انتصاراته في معظم معاركه في جزيرة العرب . فأدركوا الخطر وآثروا الانسحاب من مواقفهم واعتصموا بحصونهم . فتوقف الجيش عن مسيرته وأقاموا في تبوك وبدأت قبائل النصارى تأتي لرسول الله فتعقد معاهدات السلام والجزية .
كل ما سبق كما قلنا في المقدمة ، مجرد نماذج لما في هذا الكتاب الخطير من مزالق تحتاج إلى جهود مكثفة من علماء المسلمين لتجليتها بالحق ، هذا من جهة ، وتحتاج من دار النشر التي نشرت اثنتي عشرة طبعة من هذا الكتاب من سنة 1948 إلى اليوم إلى أن تنشر طبعة محققة معلقاً عليها تعليقات وافية كافية شافية. هذا وبالله التوفيق .
مراجع المقال :
1- د. حسين مؤنس ، مقال بمجلة العربي الكويتية ، العدد 66، مايو 1964
2- د. حسين مؤنس ، مقال بمجلة العربي الكويتية العدد 139 الصادر في يونيو 1970م.
3- كارل بروكلمان ، تاريخ الشعوب الإسلامية ، ط12، بيروت : دار العلم للملايين .
4- د. مصطفى رجب ، فيض المنان في علوم القرآن ، ط1 ، القاهرة : المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، 2000م.
5- هاشم معروف الحسني ، سيرة المصطفى ، بيروت : دار المعارف للمطبوعات ، 1996م.
تعليقات
إرسال تعليق