التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ندوة ببيت السناري تؤكد أهمية إدماج مخطوطات التراث الإسلامي في سياق البحث المعرفي الحديث



كتب المنشاوي الورداني: 

احتضن بيت السناري، أحد المعالم التاريخية في حي السيدة زينب بالقاهرة، ندوة فكرية متميزة بعنوان "إعادة اكتشاف التراث الإسلامي"، تناولت كتاب البروفيسور أحمد الشمسي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة شيكاغو، الذي يحمل العنوان نفسه. 

أقيمت الندوة  بعنوان "إعادة اكتشاف التراث الإسلامي" في بيت السناري بالقاهرة، وذلك بتنظيم من مركز نهوض للدراسات والبحوث.  و تناولت مناقشة كتاب "إعادة اكتشاف التراث الإسلامي: رحلة في قلب المخطوط"، الذي يُعد رحلة فكرية ومعرفية تتبع أثر المخطوطات الإسلامية المنسية، من رفوف المكتبات الخاصة وصناديق الورّاقين، إلى رفوف المكتبات العامة ومراكز البحث الحديثة. 

شارك في الندوة كل من: 

أ. د. خالد فهمي، أستاذ اللسانيات بكلية الآداب، جامعة المنوفية. 

أ. تامر الجبالي، الباحث المتخصص في المخطوطات بمعهد المخطوطات العربية في القاهرة. 

وأدار اللقاء د. أحمد محمود إبراهيم، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة. 

تناولت الندوة الجوانب المختلفة للكتاب، بما في ذلك تأريخه للتحولات الفكرية والاجتماعية والمؤسسية التي صاحبت إعادة اكتشاف هذا التراث، وأهمية إعادة إدماج المخطوطات في سياق البحث المعرفي الحديث. 

تأتي هذه الندوة ضمن سلسلة من الفعاليات التي تهدف إلى تنشيط الاهتمام بالتراث العربي والإسلامي، وتحفيز النقاش حول وسائل إعادة قراءته وتوظيفه في السياق المعاصر. 

سردية جديدة للتراث الإسلامي

صدر كتاب "إعادة اكتشاف التراث الإسلامي" لأول مرة بالإنجليزية عن مطبعة جامعة برينستون عام 2020، ثم تُرجم لاحقًا إلى العربية.  وقدم الشمسي في هذا العمل رؤية عميقة لمسار تطور الثقافة الإسلامية من الاعتماد على الشروح والتراكمات، إلى العودة للنصوص الأصلية بفضل تقنيات الطباعة الحديثة، وخاصة منذ أواخر القرن التاسع عشر. 

ويُبرز الشمسي جهود محررين مغمورين مثل أحمد الحسيني، الذين عملوا على تحقيق كتب مثل "الأم" للإمام الشافعي، وإعادة تقديمها للأمة بلغة الطباعة والنشر، بدلًا من اقتصارها على نسخ خطية ضائعة أو متآكلة. 

نقاشات ثرية حول التراث وإعادة اكتشافه

شهدت الندوة مشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في التراث الإسلامي، حيث ناقشوا أثر الطباعة في تشكيل الفكر الإسلامي الحديث.  وأشار المتحدثون إلى أن الطباعة لم تكن مجرد أداة نشر، بل كانت وسيلة قلبت موازين الثقافة. 

تحولات الثقافة الإسلامية 

ناقش المشاركون كيف ساهمت الطباعة الحديثة في إحياء النصوص الإسلامية الكلاسيكية، مثل "الأم" للشافعي و"مقدمة ابن خلدون"، التي كانت نادرة أو مفقودة، مما أعاد تشكيل الفكر الإسلامي الحديث. 

دور المحررين والمحققين 

أُبرزت جهود شخصيات مثل أحمد الحسيني، الذي عمل على تحقيق ونشر كتاب "الأم" للشافعي، وأثر هذه الجهود في إعادة إحياء التراث الإسلامي. 

النهضة الفكرية 

تم التطرق إلى كيف أن إعادة اكتشاف التراث الإسلامي ساهمت في حركة النهضة الفكرية في العالم الإسلامي، مشيرين إلى أن هذه النهضة لم تكن مجرد تقليد للغرب، بل كانت استعادة للتراث الأصيل. 

التحديات المعاصرة 

ناقش الحضور التحديات التي تواجه إعادة قراءة وتوظيف التراث الإسلامي في السياق المعاصر، مؤكدين أهمية إدماج المخطوطات في سياق البحث المعرفي الحديث. 

الشمسي في حوار سابق: وجدت مخطوطة فقهية فأعادني ذلك إلى جذور الأسئلة

و في حوار سابق أجراه موقع الجزيرة نت عام 2022، تحدث الشمسي عن بداية ولادة فكرة الكتاب، والتي تعود إلى زيارته لدار الكتب المصرية، حيث عثر على مخطوطة نادرة للبويطي، أحد تلامذة الإمام الشافعي.  هذا الحدث البسيط، كما وصفه، فتح له بابًا نحو التساؤل: لماذا كُتب هذا النص؟ ولماذا اندثر؟ وكيف عاد للحياة؟ 

في ذلك الحوار، شدد الشمسي على أن مشروعه ليس لإحياء التراث بحد ذاته، بل لفهم الآليات الثقافية والتقنية والاجتماعية التي أعادت تشكيله.  فالطباعة، كما يقول، لم تُحيي النصوص فحسب، بل غيّرت منطق تلقيها وفهمها. 

التراث ليس ماضينا فقط... بل طريقتنا في النظر إلى المستقبل

تبدو أهمية كتاب الشمسي وندوة بيت السناري في أنهما يعيدان طرح سؤال قديم جديد: كيف نتعامل مع تراثنا؟  هل نُقدّسه؟ نُهمله؟ نُعيد إنتاجه؟ أم نتعامل معه كنص قابل للتحليل، يشهد تحولات لا تقل دراماتيكية عن تحولات الحاضر؟ 

يبقى كتاب "إعادة اكتشاف التراث الإسلامي" علامة فارقة في هذا المسار، لأنه لا يدعونا فقط لقراءة الماضي، بل لفهم كيف صاغت التقنية، والعقل، والمؤسسات – من دون ضجيج – صورة هذا الماضي في وعينا الحديث.








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات ...

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين. هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...