بقلم: د. وليد الإمام مبارك
في تاريخنا الإسلامي صفحات مشرقة من العلم والورع، كتبتها نساء خالدات، حملن مشعل المعرفة والتقوى، فخلّدهن الزمان والوجدان. ومن بين أولئك، تتلألأ سيرة السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الملقبة بـ"نفيسة العلم"، والتي أصبحت رمزًا للعلم والزهد والبركة في مصر والعالم الإسلامي.
وُلدت السيدة نفيسة في مكة المكرمة سنة 145 هـ، في بيتٍ عريق النسب يعود إلى سبط رسول الله ﷺ، الحسن بن علي رضي الله عنهما. ويقال إنها وُلدت في ليلة المولد النبوي الشريف، وكأن الزمان شاء أن يقترن ميلادها بميلاد النور.
نشأت السيدة نفيسة في أجواء علم وتقوى في المدينة المنورة، فحفظت القرآن الكريم في صباها، ونهلت من علوم الحديث والفقه، وتربّت على الزهد والتقوى. وصفها المؤرخون بأنها كانت دائمة العبادة، لا تنام الليل، ولا تفطر إلا في العيدين وأيام التشريق. وقد نالت من أهل المدينة لقب "نفيسة العلم" لكثرة من حفظت عنهم من أهل الحديث والفقه.
تزوّجت السيدة نفيسة من إسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق، وهو من سلالة الحسين بن علي رضي الله عنهما، وأنجبت منه ولدًا اسمه القاسم وبنتًا تُدعى أم كلثوم.
وفي عام 193 هـ، قدمت إلى مصر بصحبة زوجها، واستُقبلت بحفاوة عظيمة من أهلها، حيث أقامت بحيّ الفسطاط، فأحاطها الناس بالحب والتبجيل. تحوّل بيتها إلى مقصد للعلماء والطلاب، وملاذ للفقراء والضعفاء.
من أروع مشاهد سيرتها علاقتها بالإمام الشافعي، حيث كان يزورها ويجلس بين يديها، ويطلب دعاءها، بل أوصى أن تُصلي عليه بعد وفاته، فلبّت وصيته. وقد أثّر الإمام الشافعي وتأثر بها، وكان كثير الدعاء لها. وقد روى المؤرخون أن الإمام الشافعي قال عنها:
"دعاء السيدة نفيسة مستجاب، وهي من أهل الفضل والكرامات".
امتلأت كتب التاريخ بذكر كرامات السيدة نفيسة، ومنها شفاء المرضى بدعائها، واستجابة دعوتها في أوقات الشدة، وقد رُويت عنها حكايات كثيرة تثبت مكانتها الروحية والعلمية. وظلّت على هذا الحال من العبادة والبذل والعلم حتى وفاتها.
في شهر رمضان سنة 208 هـ، رحلت السيدة نفيسة عن عالمنا، وهي صائمة، كما تمنت. وقد أوصى الناس أن تُدفن في بيتها، الذي تحول بعد ذلك إلى مقام شريف ومسجد عامر يقع في حيّ السيدة نفيسة بالقاهرة، أصبح قبلة للزائرين وطلاب البركة والدعاء.
شهد مقام السيدة نفيسة عناية خاصة على مرّ العصور، من العصر العباسي إلى العصر الفاطمي، ثم المملوكي والعثماني، وصولًا إلى عهد الخديو عباس حلمي الثاني، حيث أُعيد بناء المسجد بشكل فخم يليق بمكانة صاحبته، وهو اليوم من أهم المعالم الدينية والتاريخية في مصر.
السيدة نفيسة لم تكن فقط حفيدة النبي ﷺ، بل كانت عالمة ربانية، ومربية روحية، ومثلًا يُحتذى به في طلب العلم والعبادة والزهد. إن الحديث عنها هو حديث عن نورٍ أضاء القلوب، وعلمٍ أخصب العقول، وروحٍ طاهرة سكنت أرض الكنانة فباركتها. ولا عجب أن يظل المصريون يرددون إلى اليوم:
"نفيسة العلم.. نفيسة مصر".
المراجع:
ابن خلكان، وفيات الأعيان.
الذهبي، سير أعلام النبلاء.
المقريزي، الخطط المقريزية.
الهيئة العامة للاستعلامات المصرية – بوابة الثقافة الإسلامية.
موقع دار الإفتاء المصرية.
متالق دائما د. وليد .....اسلوب شيق وبسيط وممتع فى سيرة السيدة نفيسة رضي الله عنها... ما شاء الله... ربنا يحفظك وفى انتظار جديدك من الإبداع والتألق قريبا باذن الله جزاك الخالق كل الخير. ...لك مني أرقى وارق الامنيات
ردحذفغادة شعراوى
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%A7%D8%AC%D9%85%D9%84_%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%AF_%D8%B9%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%B9