عبد الرحمن هاشم
في فترة اتسمت بصراعٍ سياسي محتدم بين قوى الاستقلال والاحتلال، وبين إرث الحكم الملكي وتطلعات الديمقراطية البرلمانية، برزت شخصيات مصرية جمعت بين النزاهة والخبرة، وكان من أبرزها عبد الفتاح باشا حسن، الذي يمثل نموذجًا فريدًا من الكفاءات الوطنية في النصف الأول من القرن العشرين.
وُلد عبد الفتاح باشا حسن عام 1902، وتخرج في كلية الحقوق عام 1924، ليبدأ مسيرته المهنية في سلك القضاء، قبل أن تتبلور علاقته بالفعل السياسي من خلال حزب الوفد، وهو من جيل بارز سبق ثورة يوليو 1952.
بدأ حياته القضائية في مكتب مراجعة الأحكام العسكرية عام 1943، ثم أصبح مديرًا لمكتب وزير الداخلية فؤاد باشا سراج الدين، فمفتشًا عامًا للوزارة، وتولى مهام إدارية في حكومات وطنية متعاقبة. انضم إلى حزب الوفد قبيل الانتخابات النيابية، وفاز في دائرة بسيون، ليصبح وكيلًا برلمانيًا لوزارة الداخلية في مارس 1950، ثم وزيرًا للدولة في يونيو 1951، ووزيرًا للشؤون الاجتماعية في سبتمبر من العام نفسه، مع قيامه بأعمال وزارة الداخلية بالنيابة.
كان له دور حيوي في تنظيم العمل المؤسسي بوزارة الداخلية، وبرز اسمه بقوة عقب إلغاء معاهدة 1936، حين أشرف على تنظيم المقاطعة العمالية للمعسكرات البريطانية بمنطقة القناة، وإعادة توظيفهم سريعًا في وظائف بديلة، ما جعله أحد رموز المقاومة الوطنية المنظمة داخل مؤسسات الدولة.
بعد ثورة 23 يوليو، اعتُقل عبد الفتاح باشا حسن ووُضع تحت الإقامة الجبرية. كتب مذكراته في جزئين، تناول فيهما الفترة من مارس 1950 حتى نوفمبر 1972، كاشفًا كثيرًا من تفاصيل العمل الحكومي والبرلماني، وممارسات السلطة في العقود المفصلية. وقد صدر كتابه "ذكريات سياسية" عام 1974 عن مؤسسة دار الشعب في نحو 197 صفحة.
رغم كفاءته، أُقصي من المشهد السياسي في عهد الرئيس أنور السادات، وسُحبت عضويته من البرلمان ضمن سياسة شاملة لإبعاد رموز الوفد القديم، حتى أُفرج عنه في اعتقالات سبتمبر 1981، وتوفي بعد ذلك بفترة قصيرة. احتفى به حزب الوفد في الذكرى الأولى لوفاته، وألقى فؤاد باشا سراج الدين خطابًا مؤثرًا في تأبينه.
يُعتبر عبد الفتاح باشا حسن أحد أبرز من أدخلوا نظامًا مؤسسيًا إلى وزارة الداخلية خلال الحقبة الليبرالية المصرية، ورغم ما تعرض له من تهميش، ظلّ شخصية محترمة وهادئة، تمثل جيلًا من السياسيين الملتزمين الذين آمنوا بالدولة المدنية والعمل الوطني تحت سقف القانون. وقد واصلت أسرته بعده الإسهام في المجالين القضائي والسياسي، ليبقى إرثه شاهدًا على قيم الصدق والانضباط والوفاء للوطن.
تعليقات
إرسال تعليق