التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الدكتورة عزة شبل تكتب أحدث قصصها القصيرة: لماذا؟

 


بقلم أ.د. عزة شبل محمد

أستاذة اللغويات بكلية اللغات الأجنبية في جامعة أوساكا باليابان

قررتْ بعد صراع طويل من المرض أن تتركني وحيدة شاردة. قالت لي ذات يوم، لا أستطيع تحملك أكثر من هذا. قضينا معًا سنوات وفوقها سنوات، وطالما تحملتُك، وحملت الألم بدلًا عنك. أخذتِني في طريقك الشاق الطويل، يصطف الجميع لتهنئتك، بينما أنا لا أستطيع النوم والراحة إلا بالمسكنات. تدهورت حالتي الصحية كثيرًا. جعلتيني عبدًا تائهًا، بينما كنت تنعمين بالنوم الهادئ.

اصطحبتني معك في عالم آخر، عبر النوافذ الزجاجية. سرت معك وأنا أحلم بالجمال، اصطحبتك لأنعم بالسعادة، لكني لم أجنِ إلا الشقاء، منذ أن عرفتك يزداد ألمي يومًا بعد يوم، تحجرت عيناي في كل خطوة نحو الدماء التي تسير في الطرقات، وأنت بلا وعي ترددين في كل مرة جملتك المشئومة "إنه كذلك"، تُرى من أين لك هذا الجمود؟

أتذكرين عندما هجرتك أول مرة بعد أن أرغمتني على سماع قصص الذئاب البشرية، ثم ابتعدت عنك مرة أخرى وقت أن حكيت لي روايات أسطورية يندى لها الجبين. في تلك الليلة، بت أصارع وحدي أشباح القتلى، وصراخ الأطفال، وأنين العجائز. أتذكرين ذلك المشهد الذي ارتعدت السماء له، عندما قطعت الزوجة رأس زوجها، بعد أن رأت صورة صديقتها في عينيه، فاقتلعتهما، فرَِحةً بانتصارها الواهي في معركة خاسرة، ثم دار حوار عابر بيننا عن الأطفال، فإذا بك تضعين أمامي مشاهد حفاة، من ذوي البشرة السوداء والملابس البالية واحدة تلو الأخرى، وهم يجوبون الشوارع في الشتاء، يحملون تعاستهم، وخيبة آمالهم، ولا أحد يشتري منهم.

انصرفت عنك غاضبة، وذهبت لأحظى بسماع موسيقى هادئة تصحبها كلمات ناعمة، تذكرت الأغاني التي كنت أحبها، وعندما تطلعت إلى مكتبتك؛ وجدت كل الكلمات عارية، تعلوها أصوات أشد قبحًا منها. أحطتني بعالم مريض ليس بعالمي. لقد تسببت يومها في إصابتي بالشلل التام. لن اغفر لك. ظللت مستيقظة مشدوهة العينين حتى تجمدت أطرافي، وأغرقتني دموعي، وأنت تنامين بجواري في سبات عميق.

أنت كاتبة حمقاء، يصفق لها البلهاء، تمارسين كشف المستور، وتدعين حيل الدجالين والمشعوذين لإيقاظ الأموات. تدورين في نفس الدائرة المعتمة، أما أنا... فلا. سأرحل من عالمك إلى عالم آخر؛ لأرى الأطفال يلعبون تحت شجرة التوت، وأسمع رقصات الطيور، وأشم رائحة الخبز في المنازل. قررت ألا أعود. فلتبحثي عن أخرى تخدعينها، أو اذهبي وحدك في عالمك المظلم، أما أنا فقد عرفت الطريق.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين. هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...