التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الذكاء الاصطناعي والبديل العسكري



سلسبيل شريف


الذكاء الاصطناعي في إسرائيل لم يعد مجرد مشروع بحثي أو رفاهية تكنولوجية، بل تحوّل إلى قلب عقيدتها الأمنية والعسكرية. نحن أمام دولة ترى في التفوق التكنولوجي وسيلتها الأساسية للبقاء، وتؤمن أن السيطرة على المستقبل تمر عبر السيطرة على الخوارزميات. من الطائرات المسيّرة، إلى أنظمة الرصد والمراقبة، إلى الذكاء الاصطناعي الذي يحلل أنماط السلوك البشري ويتنبأ بالتحركات – أصبح كل ذلك جزءًا من ميدان حرب غير مرئي، لكنه أشد فتكًا من أي دبابة أو طائرة.


إسرائيل تبني جيشًا رقميًا بقدر ما تبني جيشًا بشريًا. فكرة أن قرارًا عسكريًا حاسمًا قد يُتخذ في غرفة مغلقة عبر شاشة تعرض توصيات نظام ذكي لم تعد خيالًا علميًا، بل ممارسة يومية. هذه المنظومات لا تكتفي بجمع المعلومات، بل تعيد صياغتها، تفرزها، وتحدد أولوياتها، لتتحول إلى أداة نفوذ تمنح الجيش الإسرائيلي سرعة في الحسم، ودقة في الضربات، وقدرة على تقليل الخسائر من جانبه – دون اعتبار للخسائر التي تتسبب بها على الجانب الآخر.


الأمر الأخطر أن هذه العقلية التقنية امتدت إلى إدارة الصراع نفسه. الذكاء الاصطناعي صار أداة في صناعة الرواية السياسية، في الدعاية، في الحرب النفسية، وفي إعادة تشكيل الوعي الجمعي للخصم. إسرائيل تدرك أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل في العقول والشاشات ووسائل التواصل، حيث تتحرك الخوارزميات بنفس كفاءة الطائرات والصواريخ. إنها تدمج بين السلاحين الصلب والناعم في إطار واحد متكامل يقوده عقل اصطناعي.


لكن وسط هذا البريق التقني، تظل الأسئلة المقلقة قائمة. هل تتحول الحرب إلى مجرد عملية حسابية باردة بلا وزن للقيم أو للإنسان؟ هل يمكن أن يظل القرار العسكري “إنسانيًا” عندما تصبح المعادلة رقمًا، والهدف مجرد نقطة مضيئة على شاشة ذكاء اصطناعي؟ في سعيها للهيمنة المطلقة عبر التكنولوجيا، قد تكون إسرائيل فتحت بابًا لحرب أكثر خطورة، حيث تُلغى الحدود بين ما هو عسكري وما هو مدني، بين ما هو مادي وما هو سيكولوجي.


الذكاء الاصطناعي هنا ليس مجرد وسيلة، بل عقيدة، والجيش الإسرائيلي يتعامل معه باعتباره الامتداد الطبيعي لمشروعه الوجودي. نحن أمام تحول يجعل الحرب القادمة ليست فقط بين جيوش وأمم، بل بين الإنسان والآلة التي تُعيد تعريف معنى السيطرة، ومعنى الأمن، ومعنى القوة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين. هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...