التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علم الإجرام الثقافي: نحو فهم جديد للجريمة كظاهرة ثقافية



بقلم/ د. نجلاء الورداني


لم يعد علم الإجرام الحديث يقتصر على دراسة الجريمة كفعل قانوني أو اجتماعي، بل اتجه إلى مقاربات جديدة تنظر إلى الجريمة باعتبارها نتاجًا ثقافيًا. علم الإجرام الثقافي يمثل أحد أبرز هذه الاتجاهات؛ إذ يطرح إطارًا نظريًا ومنهجيًا يدرس الجريمة والعدالة من منظور ثقافي، منطلقًا من أن الأفعال الإجرامية مشبعة بالمعاني والرموز والعواطف التي تُنتجها الثقافة وتعيد صياغتها.

إحدى المفاهيم المركزية في هذا الحقل هو ما يعرف بـ "المعرفة الخطيرة"، التي تدعو إلى تجاوز القوالب التقليدية في علم الإجرام الاجتماعي وتبنّي أدوات إبداعية ومرنة لفهم الظواهر الإجرامية. وإلى جانب ذلك، يبرز علم الإجرام السردي الذي يركّز على دور القصص والروايات في تشكيل تصوراتنا عن الجريمة والفاعل والمجتمع.

أما على المستوى المنهجي، فقد جاء علم الإجرام الثقافي حافلاً بالابتكارات البحثية. فـ الإثنوغرافيا تظل أداة رئيسية، حيث ينخرط الباحث في معايشة ميدانية طويلة المدى لفهم السياقات الثقافية للجريمة. ومع ذلك، ظهرت أشكال جديدة مثل:

الإثنوغرافيا الفورية التي تواكب السرعة الخاطفة للجريمة في عصر الحداثة المتأخرة. الإثنوغرافيا السائلة التي تنسجم مع المجتمعات المتغيرة والهويات المؤقتة. الإثنوغرافيا الذاتية حيث يصبح الباحث ذاته جزءًا من موضوع البحث عبر فحص تجاربه الشخصية. كما يقدّم هذا الاتجاه التحليل الإثنوغرافي للمحتوى الذي يتجاوز الأرقام والإحصاءات ليُعيد إنتاج المعنى عبر عملية تفاعلية متواصلة، إضافة إلى علم الإجرام المرئي الذي يمنح الصور والوسائط البصرية دورًا محوريًا في فهم تمثيلات الجريمة وانتشارها في الفضاءات الإعلامية. بهذا المعنى، يفتح علم الإجرام الثقافي أفقًا بحثيًا مغايرًا، إذ يدمج بين الثقافة والجريمة والبحث الميداني ليقدّم قراءة أكثر عمقًا وحساسية للتعقيدات الاجتماعية التي تُنتج الظاهرة الإجرامية في عالم سريع التغيّر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين. هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...