بقلم/ د. نجلاء الورداني
في مجتمعاتنا الحديثة، أصبح الزمن سلعة نادرة وثمينة. إيقاع الحياة لم يعد يمنحنا فسحة للتأمل أو البطء؛ كل شيء يتحرك بسرعة مضاعفة: العمل، الدراسة، العلاقات، وحتى أنماط الاستهلاك. في قلب هذا الاندفاع، تشكّلت ما يمكن تسميته بـ "ثقافة الساندويتش"؛ ثقافة سريعة، آنية، تُنتج وتستهلك وتستبدل بلا توقف.
الساندويتش، في جوهره، ليس مجرد وجبة غذائية، بل رمز لعصر كامل. فهو طعام مُعبّأ، محمول، جاهز للأكل في أي وقت ومكان، يعكس نزوعنا إلى الحلول الفورية والتجارب السريعة والإشباع اللحظي. لقد فقدنا تدريجيًا متعة الجلوس إلى مائدة طويلة، والتمهل في الاستماع أو القراءة أو حتى التفكير.
ولأن الثقافة لا تظل حبيسة الجسد، فإن انعكاساتها طالت العلاقات الإنسانية أيضًا. صداقاتنا باتت "ساندويتشية"؛ سريعة التشكل، سطحية المضمون، قليلة العمق. مشاعرنا بدورها تحولت إلى "سناكس" عاطفية، نستهلكها ثم ننتقل إلى غيرها. حتى قيمنا ومواقفنا الفكرية لم تعد تستقر طويلًا، بل تُستبدل بغيرها في لحظة اندفاع.
و يبقى التساؤل: هل تُحقق هذه السرعة الدائمة سعادتنا، أم أنها حولتنا كائنات تركض بلا وجهة واضحة؟ ربما نحن في حاجة إلى التوقف قليلًا لإعادة اكتشاف متعة "الوجبة الكاملة"؛ متعة البطء، التأمل، التذوق، والإصغاء، بدلًا من أن نظل أسرى لثقافة الساندويتش.
تعليقات
إرسال تعليق