بقلم/ د. نجلاء الورداني
المسئولية ليست لقباً شرفياً ولا مقعداً وظيفياً، وإنما هي عبء أخلاقي وواجب عملي يقتضي امتلاك الشجاعة والرؤية وتحمل النتائج. غير أنّ واقعنا يكشف عن مفارقة متكررة: مسئولون يتصدرون المشهد بلا مؤهلات حقيقية، يترددون في اتخاذ القرارات أو يتخذونها بغير وعي، فيتحول وجودهم من حلٍّ للأزمات إلى جزء من تكريسها.
أخطر ما يمكن أن يصيب أي مؤسسة أو أسرة أو دولة أن يُوكل أمرها إلى مسئول يتجنب الحسم. فالقرار المؤجل لا يعني الحياد، بل يعني السماح للمشكلة بالنمو والتفاقم. الأب الذي يترك شؤون بيته من غير حسم يفقد احترام أبنائه، والمدير الذي يتردد في معالجة أخطاء العمل يشلّ مؤسسته، والمسئول العام الذي يُحيل كل قرار إلى "الظروف" أو "اللجان المختصة" يفقد ثقة المواطنين.
لا يقل خطراً عن غياب القرار صدور قرارات مرتجلة أو غير مدروسة. فالمسئول الذي يوقّع قراراً بلا وعيٍ كافٍ بطبيعته أو عواقبه، ثم يتبرأ من نتائجه ويلقي باللوم على موظفيه أو على "الظروف الطارئة"، لا يمارس القيادة بل يتهرّب منها. هنا تتعرى الأزمة: انعدام الشجاعة في الاعتراف بالخطأ وتحمل تبعاته.
الأخطر من ذلك هو نمط المسئول الذي يتخذ القرار، لكنّه يفعل ذلك وفق حسابات ضيقة تخدم مصالح فئة صغيرة على حساب المصلحة العامة. فنراه يفرض سياسات ترهق المواطنين، أو يصدر لوائح داخل المؤسسات الحكومية والخاصة تخدم المقربين وتحرم الأغلبية. هذا النمط يُجسّد جوهر المسؤول غير المسؤول، لأنه يستخدم سلطته أداةً للضرر بدل أن تكون وسيلة للحل.
من صور "اللا مسئولية" أيضاً أن يتولى شخص منصباً وهو يجهل تماماً طبيعته، أو يفتقر إلى المهارات والمعرفة المطلوبة. فكيف لمسئول يجهل مهام موقعه أن يتخذ قرارات رشيدة؟ هنا يصبح المنصب أكبر من شاغله، ويتحول المسئول إلى عبء على المؤسسة التي يقودها.
تتضاعف الأزمة حين يُوضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. فالمناصب التي تُمنح بالمجاملة أو الولاء لا بالكفاءة تنتج مسئولين عاجزين عن القيادة، يفتقرون إلى الرؤية، ويغيب عنهم الاستعداد النفسي والمهني لتحمل أعباء الموقع. النتيجة مؤسسات مترهلة، ومصالح معطلة، ومواطنون مثقلون بالخيبة.
المسئولية الحقيقية ليست زينة اجتماعية ولا امتيازاً وظيفياً، بل هي شجاعة مواجهة الواقع، وقدرة على اتخاذ القرار الصائب، واستعداد لتحمّل تبعات القرارات الخاطئة قبل الصائبة. وهي أيضاً نزاهة في تغليب المصلحة العامة على المصالح الضيقة. أما من يفتقر إلى هذه المؤهلات، أو يعتلي منصباً لا يناسبه، أو يستخدم سلطته للإضرار بالناس، فهو في جوهره مسئول غير مسئول، مهما زيّنه المنصب أو زيّنه اللقب.
تعليقات
إرسال تعليق