بقلم/ د. نجلاء الورداني
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وبين المتابعين للشأن الفني، أعلنت الراقصة دينا عن إطلاق مدرسة متخصصة لتعليم الرقص الشرقي. الإعلان قوبل بموجة من الآراء المتباينة؛ فبينما رأى البعض أن الخطوة محاولة جادة لإعادة الاعتبار لهذا الفن، اعتبرها آخرون تجاوزاً للخطوط الحمراء ومخالفة للقيم المجتمعية.
الراقصة دينا، التي ارتبط اسمها طويلاً بمهنة الرقص الشرقي، قدمت مدرستها باعتبارها منصة لتعليم أساسيات الرقص بأسلوب أكاديمي يتيح للهواة والمحترفين اكتساب مهارات أوسع. مؤيدو الفكرة اعتبروا أن الرقص الشرقي جزء من التراث المصري الشعبي لا يقل أهمية عن فنون أخرى مثل الباليه أو المسرح الاستعراضي، وأن تحويله إلى مادة تُدرَّس قد يسهم في نقله إلى أجيال جديدة بشكل منظم.
لكن على الجانب الآخر، يرى معارضو المشروع أن تخصيص مدرسة لهذا الفن قد يثير جدلاً أوسع حول صورة مصر في الخارج، ويزيد من حساسية النقاش الداخلي حول الحدود الفاصلة بين الفن والابتذال. ويستشهد هؤلاء بأن الرقص الشرقي ظل طويلاً محصوراً بين كونه فناً له جذوره الشعبية واتهامات دائمة بارتباطه بالإثارة التجارية.
المفارقة أن هذه الخطوة تعيد إلى الأذهان تجربة مغايرة تماماً هي تجربة مدرسة محمود رضا، التي رسخت نفسها منذ منتصف القرن العشرين كمنارة للفن الاستعراضي الشعبي. فقد نجح رضا في تحويل الرقص الشعبي المصري إلى عروض استعراضية راقية، تحمل طابعاً فنياً وأكاديمياً واضحاً، حتى أصبحت فرقته رمزاً من رموز الهوية الثقافية المصرية. وبينما أسس رضا مدرسته على إعادة إحياء التراث الشعبي وعرضه بأسلوب جماعي منظم، تأتي تجربة دينا لترسخ حضور الرقص الشرقي الفردي الذي طالما ارتبط بجدل اجتماعي وأخلاقي.
الفرق بين التجربتين يفتح باباً للتساؤل: هل يمكن لمدرسة دينا أن تنقل الرقص الشرقي من خانة الجدل إلى خانة الفن الأكاديمي، كما فعل محمود رضا مع الرقص الشعبي؟ أم أن طبيعة الرقص الشرقي، بما يحمله من إيحاءات جسدية وحساسية اجتماعية، ستظل حاجزاً أمام تقبله كممارسة تعليمية منظمة؟
وإلى جانب البعد الفني والاجتماعي، يبرز البعد الاقتصادي والسياحي كعامل لا يقل أهمية. فالرقص الشرقي ظل لعقود طويلة أحد عناصر الجذب السياحي في مصر، حيث ارتبط اسم القاهرة بمطاعمها ومسارحها التي تقدم هذا الفن. ومن هذا المنطلق، قد تُسهم المدرسة الجديدة في تأطير الرقص الشرقي وتقديمه بشكل أكثر احترافية للسياح والأجانب المهتمين بتعلمه، بما يفتح مجالاً للاستثمار الثقافي والسياحي في آن واحد. لكن يبقى التحدي في الموازنة بين الحفاظ على الطابع التراثي للفن وبين الحد من الانزلاق نحو الابتذال التجاري.
الواقع أن الفن لا يُدان في ذاته، بل بالمستوى الذي يُقدَّم فيه. وإذا نجحت مدرسة دينا في وضع ضوابط فنية وأخلاقية واضحة، فقد تشكل تجربة مختلفة تعيد الاعتبار لفن شرقي أصيل طالما عانى من التهميش. أما إذا غابت هذه الضوابط، فقد لا تكون النتيجة سوى إعادة إنتاج للصورة النمطية التي لطالما جعلت من الرقص الشرقي مادة للجدل والسخرية.
في النهاية، يظل الحكم معلقاً بين مؤيد يرى في المشروع محاولة للتطوير، ومعارض يخشى من الانزلاق نحو الابتذال. وبين المدرستين – مدرسة رضا التي صارت رمزاً للتراث الشعبي، ومدرسة دينا التي تسعى لتأصيل الرقص الشرقي – يبقى السؤال مطروحاً: هل نحن أمام بداية جديدة لفن من تراثنا، أم أمام فصل آخر من الجدل الذي لا ينتهي؟
تعليقات
إرسال تعليق