بقلم/ د. نجلاء الورداني
يمثل المولد النبوي الشريف حدثًا اجتماعيًا-ثقافيًا مركبًا يتجاوز كونه مجرد احتفال ديني، حيث يعمل كفضاء للتفاعل بين الدين والمجتمع، ويجسد أبعادًا متعددة تتضمن الرموز، والتضامن الاجتماعي، والاقتصاد، والثقافة الشعبية.
البعد الرمزي والديني
من منظور إميل دوركهايم، تعمل الطقوس الدينية على إعادة إنتاج التضامن الاجتماعي وتجديد الانتماء للجماعة. يُجسّد المولد النبوي هذا المفهوم، فهو يحيي رموزًا دينية أساسية مثل ذكرى النبي محمد ﷺ، والمدائح، والأناشيد، وحلقات الذكر. هذه الرموز تعزز الهوية الجمعية وتؤكد على مركزية الدين في الحياة اليومية، كما أنها تمنح الأفراد فرصة للتعبير عن مشاعرهم الدينية بشكل جماعي ومنظم.
البعد الاجتماعي
يشكل المولد فضاءً اجتماعيًا يجمع مختلف الأفراد والطبقات الاجتماعية، مما يجعله مناسبة للتلاقي الاجتماعي وتعزيز الروابط الأسرية والجماعية. يُسهم تبادل الهدايا مثل الحلويات والولائم في إنتاج ما يسمى بـ"رأس المال الاجتماعي الديني"، الذي يعزز الثقة والتعاون داخل المجتمع.
البعد الثقافي والاقتصادي
إلى جانب دلالته الدينية، يخلق المولد دينامية اقتصادية وثقافية. تنتشر الأسواق المؤقتة وتُباع المنتجات الخاصة بهذه المناسبة، مثل حلوى المولد والألعاب الشعبية، مما يربط بين الطقس الديني والثقافة المحلية والاقتصاد. وفقًا لتحليل ماكس فيبر للعلاقة بين الدين والاقتصاد، يمكن اعتبار المولد مثالًا على كيفية مساهمة الدين في إنتاج أنماط اقتصادية وثقافية خاصة.
المولد كفضاء للتدين الشعبي
يمثل المولد أيضًا مجالًا لظهور أنماط التدين الشعبي التي قد تختلف عن التدين الرسمي. فالممارسات الاحتفالية، والزيارات للأضرحة، وتداخل الطقوس الدينية مع الفنون الشعبية، كلها تعكس ما يسميه علماء الاجتماع "تدين الجماهير" أو التدين العاطفي، الذي يسهم في الحفاظ على استمرارية الهوية الدينية المحلية عبر الأجيال.
بشكل عام، يُظهر تحليل المولد من منظور علم الاجتماع الديني التداخل بين المقدس واليومي، وبين الرسمي والشعبي، مما يثري فهمنا لعلاقة الدين بالمجتمع المعاصر.
تعليقات
إرسال تعليق