بقلم/ د. نجلاء الورداني
في قصة قصيرة مشبعة بالرمزية، يرسم الكاتب عبدالرحمن هاشم مشهدًا استثنائيًا لبطل يهجر عمله فجأة في إحدى القرى السياحية بمرسى علم، مدفوعًا بـ"نداء" داخلي غامض لا يقاومه.
يقول عبد الرحمن هاشم: "استيقظ أحمد قبل الفجر بساعة، على غير عادته، كأن أحدًا يهزه ويهمس في أذنه: قم فلبِّ النداء!
لم يقاوم، ارتدى ملابسه على عجل، حمل حقيبته، وكتب استقالته بخط مرتجف ثم غادر القرية السياحية في مرسى علم متجهًا إلى المطار. كان كل شيء ينقاد له على غير عادة: وجد مكانًا شاغرًا في الطائرة كأن القدر أزاح صاحبه جانبًا، وتجاوز الإجراءات بسهولة غريبة، حتى بدا له أن قوة خفية تمهّد له الطريق خطوة خطوة.
نسي راتبه الذي ينتظره، وتناسى غربته التي اعتادها، بل وأغفل نزوة قلبه الجديدة مع إحدى السائحات. لم يبق في داخله إلا صورة واحدة تملأ عينيه: وجه انشراح، جالسة بإسدالها الأخضر على سجادة الصلاة، تتلو دعاءها في خشوع!
وكلما طاف بخاطره طيف السائحة، برزت أمامه صورة زوجته، شفتاها تتحركان في ابتهال صادق، كأنها تحميه من السقوط في هوة بلا قرار.. كان يشعر في أعماقه أن كل خطوة تقربه أكثر من حضنٍ لم يعرف مثل دفأه منذ رحيله غير المدروس".
لم تكن عودته إلى زوجته مجرد قرار عابر، بل رحلة روحية تكشف صراعًا حادًا بين إغراءات الغربة العابرة وقوة الدعاء والوفاء الأسري.
الزوجة، الغائبة جسدًا، حضرت في النص بثوبها الأخضر وابتهالها الخاشع كقوة خفية تنتشل الزوج من الانجراف وراء نزوات المكان.
ومن هنا، تتجاوز العودة معناها الجغرافي عبر المطار والطائرة لتتحول إلى انتقال رمزي من عالم مادي هش إلى فضاء روحي آمن.
وفي النهاية، ينتصر النص للقيم الدينية والإنسانية، مؤكدًا أن العودة الحقيقية ليست مجرد مغادرة مكان، بل استعادة الذات.
https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2025/09/blog-post_5.html
ردحذف