التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عدوى القتل: هل يتحول العنف إلى وباء مجتمعي؟



بقلم/ د. نجلاء الورداني

في كل يوم تقريبًا، تتصدر وسائل الإعلام أخبارًا عن جريمة قتل هنا أو هناك: أب يقتل أبناءه، شاب يقتل صديقه بسبب خلاف تافه، زوجة تقتل زوجها أو العكس. قد تبدو هذه الحوادث في ظاهرها أحداثًا فردية معزولة، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه: هل يمكن أن نعتبرها "عدوى" تنتقل من واقعة إلى أخرى؟


علماء الاجتماع والجريمة بدأوا بالفعل في استخدام مصطلح "عدوى العنف" (Violence contagion) لتفسير هذه الظاهرة. ففي دراسة بارزة أُجريت في جامعة شيكاغو، تبيّن أن جرائم القتل تنتشر عبر الشبكات الاجتماعية بنفس الطريقة التي ينتشر بها المرض، أي أن حدوث جريمة في نطاق معين يزيد من احتمالية تكرارها في نفس النطاق خلال فترة قصيرة.


الأمر لا يتعلق فقط بجرائم الثأر أو النزاعات الكبرى، بل حتى الجرائم الفردية اليومية قد تترك أثرًا مشابهًا. فعندما يسمع الناس بخبر أبٍ قتل أبناءه بسبب ضغوط اقتصادية، قد يتلقف آخرون الفكرة – دون وعي – باعتبارها "خيارًا ممكنًا". وهكذا يتحول القتل من حادث فردي إلى سلوك متداول، يتكرر في سياقات مختلفة.


وسائل الإعلام بدورها قد تلعب دورًا مضاعفًا في هذه العدوى. فالتغطية المكثفة لحادثة قتل ما، وإعادة سرد تفاصيلها بشكل مثير، قد يفتح الباب أمام تكرارها في مكان آخر. هذه الظاهرة معروفة عالميًا باسم "تأثير التقليد" (Copycat Effect)، وتم توثيقها في حالات الانتحار والقتل الجماعي في أكثر من بلد.


لكن هل يعني ذلك أن كل جريمة تُلهم أخرى؟ ليس بالضرورة. فهناك جرائم تبقى فردية، مرتبطة بظروف خاصة بمرتكبيها. غير أن تكرار الجرائم بنفس النمط، أو في أوقات متقاربة، يجعلنا نميل إلى النظر إليها كـ "عدوى" اجتماعية تتغذى على التشابه والقدرة على التقليد.


في النهاية، يبقى القتل أحد أخطر أشكال "السلوك المعدي". وإذا أردنا كبح هذا الانتشار، فنحن بحاجة إلى ما يشبه "اللقاح المجتمعي": عدالة ناجزة، إعلام مسؤول، وتربية اجتماعية تعيد الاعتبار للحياة كقيمة عليا. وإلا سيظل السؤال مطروحًا: هل ما نراه حولنا مجرد حوادث فردية، أم أننا نعيش موجة عدوى لا نتوقف عن إنكارها؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...