التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كلٌّ وصخرته



بقلم/ د. نجلاء الورداني

حكاية رمزية تكشف أن لكل إنسان حمله الخاص، لا يُخففه عنه أحد، لكنه يُعلّمه الصبر والحكمة، وإليكم نصها:

في بلاد بعيدة، حيث تتعانق قمم الجبال مع السحب كأنها أكمام السماء، ويمتد الضباب كالحرير فوق الوديان، عاش حاكم حكيم يُلقب بـ"حامي الجبال". كان يتأمل شعبه من علياء قصره، يرى الهموم تتراقص على وجوههم، والشكوى تنتشر بينهم كأنها نيران خفية، كل واحد يحمل أثقاله ويحاول إلقاءها على الآخر.

قرر الحاكم أن يعرف الناس على حقيقتهم، فانحدر بينهم متخفياً، بلا تاج ولا عباءة ملكية، مجرد رجل بين البشر. اصطحبهم إلى جبل شاهق، صخرة ضخمة كقلب الأرض، وقال لهم بصوت يفيض حكمة:
"أيها الأحباب، أمامكم صخور تمثل مشاكلكم وطبائعكم. اختاروا صخرة بحجم طاقتكم، فكل واحدة مرآة لروحكم وحدودكم."

اقترب الناس بحذر، لمسوا الصخور، كل منهم شعر بها تعكس قوته الداخلية وحدود تحمله. نقشوا أسماءهم عليها، ووضعوها في شوال أسطوري، ثم حملوا الشوال إلى وادٍ بعيد عن الجبل، حيث الهواء نقي والوقت يتباطأ.

مر عام، وعاد الحاكم مع "عامل الغيم"، الرجل الغامض الذي يرافقه دومًا، وقال لهم:
"الآن افتحوا شوالكم وانظروا ما حملتم."

وإذا بكل واحد يجد أن الصخرة تحمل اسمه وحده، وأنه لا يستطيع حمل صخرة غير صخرته. صمت ساحر عم المكان، وأدرك الجميع أن لكل روح حملها الخاص، وأن المشكلات تأتي بحسب قوة الإنسان وقدرته على التحمل.

ومنذ ذلك اليوم، أدركوا أن الصخرة ليست عدوًّا، بل معلم صامت، يعلّم كل روح كيف تنجو بثقلها. وأدركوا أن لا أحد يحمل عن أحد، وأن الإنسان لا يُعرَف إلا بصخرته.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...