التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مولد السيدة زينب عليها السلام: الروحانية الوجدانية والكرنفالية الشعبية المُعَبِّرة بـ"نظرة يا ست"



بقلم/ د. نجلاء الورداني


مولد السيدة زينب عليها السلام واحدًا من أبرز الموالد الشعبية والدينية في مصر، حيث يتحول حي السيدة زينب بالقاهرة كل عام إلى ساحة احتفالية ضخمة تستقطب مئات الآلاف من الزوار من مختلف المحافظات. يقام المولد في شهر رجب، ويستمر عادةً لأيام عدة، ليجمع بين الطابع الروحي الوجداني والبعد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.


البعد الروحي


يرتبط المولد بذكرى السيدة زينب عليها السلام بنت سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام؛ حفيدة سيدنا رسول الله ﷺ، التي تحظى بمكانة روحية خاصة في قلوب المصريين. خلال المولد يتوافد الزوار إلى المسجد والضريح لإقامة حلقات الوعظ والذكر وقراءة الفاتحة، وتقديم النذور، وطلب البركة، في أجواء يغلب عليها الشعور بالسكينة والطمأنينة.


البعد الاجتماعي والثقافي


لا يقتصر مولد السيدة زينب عليها السلام على الجانب الروحي فحسب، بل يشكل أيضًا ملتقى اجتماعيًا واسعًا، حيث تنتشر حلقات الذكر والمديح الصوفي، وتقام خيام الضيافة التي تقدم الطعام مجانًا للزوار، في تعبير عن قيم الكرم والتكافل. كما تتحول الساحات المحيطة بالمسجد إلى سوق شعبي كبير يعرض السلع البسيطة والألعاب والحلوى، مما يمنح المولد طابعًا اقتصاديًا موسميًا.


الطابع الشعبي الاحتفالي والكرنفالي


يمتاز المولد بأجوائه الكرنفالية، حيث تختلط أصوات المدائح والطبول الصوفية مع ألوان الأضواء والزينات، وتغدو الشوارع مسرحًا شعبيًا تتداخل فيه الطقوس الدينية مع أنماط الترفيه والتسلية. ويجد البسطاء في المولد فرصة للبهجة والاندماج في جماعة احتفالية تتجاوز الفوارق الطبقية.


التبرك والتقاطف من القدرات الروحية


يُشكّل التبرك بالسيدة زينب عليها السلام أحد أبرز ملامح التدين الشعبي المرتبط بمولدها. فالزوار لا يكتفون بزيارة الضريح وقراءة الفاتحة، بل يسعون إلى بركتها ومددها المعبر عنه بتيمة "نظرة يا ست" باعتبارها لحظة تجلٍّ روحي تمنحهم البركة والسكينة. يتعامل التدين الشعبي مع السيدة زينب عليها السلام باعتبارها "أم العجايز"، القادرة على منح العون والشفاعة، والتخفيف عن المهمومين، وحماية المظلومين. ويظهر ذلك في مشاهد النساء اللواتي يلمسن جدران الضريح أو يربطن الخيوط والأقمشة طلبًا لتحقيق أمنية أو رفع بلاء مستشفعين بها، وكذلك في صيحات العامة التي تعكس قناعة راسخة بأن للسيدة بنت بنت سيدنا النبي كرامات تتجدد مع مرور الزمن.


ويجد هذا البعد الوجداني صداه في الأناشيد الشعبية والمدائح الصوفية التي تُردَّد في المولد وأمام الضريح، حيث تتجلى روح الرجاء والتبرك في أبيات مثل:


يا أم العجايز يا سيدة الكرام 

جينا لبابك نطلب السلام

نرجو نظرة تمحي الغمام

وتفتح لقلوبنا أبواب الغرام

فتصبح الأبيات ذاتها امتدادًا لممارسة رمزية تمنح الزائرين شعورًا بالطمأنينة وتعيد صياغة العلاقة بين المقدس والإنسان، في مزج فريد بين الإيمان الروحي والاحتياجات الإنسانية اليومية.

وتستكمل الألسنة الشعبية هذا الرجاء بأبيات أخرى تفيض بالمحبة والطلب.

بالبركة منك تزول الهموم

وبالنور يشرق صبح يدوم

يا زينب يا حضن الفقرا واليتامى

منك المدد، ومنك الوصال، ومنك الحُلوم

الديمومة والاستمرارية

رغم التحولات الاجتماعية والسياسية في مصر، ما زال مولد السيدة زينب عليها السلام يحافظ على مكانته كأحد أهم رموز التدين الشعبي العميق. فهو يجسد حالة من التداخل بين المقدس والدنيوي، والديني والاجتماعي، والروحاني والاقتصادي، ليظل المولد تعبيرًا حيًا عن ذاكرة المصريين الجمعية وخصوصيتهم الثقافية.


وكما قال الشيخ محمد حسن فردان في قصيدته.. وُلِدت زينبٌ فعمَّ السرور 


ولدت زينب فعمَّ السرور

وتراءى من الهدايةِ نورُ

وُلِدت زينبٌ ففاحَ عبيرُ

وتغنّت على الغصونِ الطيورُ

وُلِدتْ زينبٌ فأشرقَ بدرُ

وعلى مهدِ فاطمٍ فاحَ عطرُ

وهي من حيدرٍ من العلمِ بحرُ

وهي سرٌ من أحمدٍ مستورُ

ونختم بكلمات تملأ النفس هياما وغراما ببنت بنت سيدنا النبي وجميع آل البيت الأطهار؛ تقول:

إنى أحبك أنت

يا بنت أكرم بنت

يا زهرة قد تسامت

فى نور أطهر بيت

إنى على الباب أرجو

خيرا فهلا منحت

يا بنت بنت حبيبى

وسيدى يا ستى

يا بضعة من عليٍّ

وللبتول انتسبت

وفى بيت طه نشأت

ومن هداه ارتويت

ها أنا ذا فاقبلينى

يا سعد من قبلت

وفى الحمى اقبلينى

يا عز من حميت

يا بضعة من على

الهاشمى الحيدرى

يا بنت بنت نبينا

ريحانة الآل أنت

أقبلت نحوك أسعى

إليك لما أشرت

لأملأ الأفق شدوا

يعلوا به اليوم صوتى

فاستقبلينى خذينى

إلى حيث شئت

وفى الحمى أدخلينى

يا عز من قد حميتى

وفى سناك اغمرينى

حولى وفوقى وتحتى

يا من تملكت منى

سرى وجهرى وصمتى

مصر بكم قد أضاءت

لما بها قد سكنت

إنى أحبك أنت

يا بنت أكرم بنت


تعليقات

  1. إنى أحبك أنت

    يا بنت أكرم بنت

    يا زهرة قد تسامت

    فى نور أطهر بيت

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...