بقلم/ د. إيمان شاهين
تُعتبر الأسرة اللبنة الأساسية لأي مجتمع، فهي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الفرد ويتعلم القيم والمبادئ التي توجه حياته. وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم من ضغوط اقتصادية واجتماعية ونفسية، برز مفهوم الاستدامة الأسرية كأحد أهم المبادئ التي تضمن استمرار الأسرة في أداء دورها الحيوي على المدى الطويل بشكل متوازن ومستقر.
الاستدامة الأسرية تعني قدرة الأسرة على التكيف مع المتغيرات والمشكلات التي قد تواجهها دون أن تتفكك أو تتأثر علاقات أفرادها بشكل سلبي. فهي ليست مجرد بقاء أفراد الأسرة معًا، بل استمرارهم في تحقيق التفاهم والحب والاحترام المتبادل، وتحمل المسؤوليات المشتركة، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لبعضهم البعض في أوقات الشدة والرخاء.
من أهم عوامل الاستدامة الأسرية التواصل الجيد بين أفراد الأسرة، فالحوار المفتوح والصريح يعزز الفهم ويحل الكثير من المشكلات قبل أن تتفاقم. كما أن الاحترام المتبادل بين الزوجين وبين الوالدين والأبناء يخلق بيئة أسرية صحية تشعر كل فرد فيها بالأمان والانتماء. إلى جانب ذلك، يشكل الترابط العاطفي أحد الأعمدة الأساسية التي تبني أسرة قوية، حيث يُعد الحب والحنان والدعم العاطفي المتبادل من أهم عوامل مواجهة الضغوط النفسية والاجتماعية.
لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي في الحديث عن الاستدامة الأسرية، فاستقرار الوضع المالي للأسرة يساهم في تقليل الخلافات والضغوط اليومية. الإدارة الحكيمة للميزانية، وترشيد المصروفات، وتوفير صندوق للطوارئ، كلها خطوات تساعد الأسرة على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية التي قد تطرأ فجأة. إلى جانب ذلك، فإن التخطيط المالي المستقبلي يضمن توفير الاحتياجات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، مما يعزز الاستقرار ويعطي أفراد الأسرة شعورًا بالأمان.
التربية الواعية للأبناء تعتبر أيضًا من الركائز التي تضمن استدامة الأسرة، فالأبناء هم المستقبل، ومن خلال غرس القيم والأخلاق وتربية المسؤولية والاستقلالية لديهم، يمكن بناء جيل قادر على مواجهة تحديات الحياة بثقة ونضج. يجب أن تعتمد التربية على التوازن بين الحزم والرحمة، مع فتح قنوات للحوار تسمح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بحرية.
رغم أهمية هذه العوامل، تواجه الأسر العديد من التحديات التي قد تهدد استدامتها، مثل الضغوط الاقتصادية المتزايدة، والانشغال الكبير بالتكنولوجيا التي قد تُبعد أفراد الأسرة عن التواصل الحقيقي، إضافة إلى التدخلات الخارجية من العائلة الموسعة أو المجتمع التي قد تؤدي إلى توترات كما أن ضعف مهارات التواصل بين الزوجين أو بين الوالدين والأبناء يفاقم المشكلات بدلًا من حلها.
لذلك، فإن تحقيق الاستدامة الأسرية يتطلب وعيًا دائمًا ورغبة حقيقية من كل فرد في الأسرة للمشاركة في بناء بيئة مستقرة. يجب على الأسرة أن تضع أهدافًا وقيمًا واضحة، وتعمل على تعزيز مهارات التواصل وحل المشكلات، وتطوير نفسها من خلال التعلم المستمر سواء عبر القراءة أو المشاركة في ورش عمل أو الاستعانة بالمتخصصين عند الحاجة. كما أن التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية يشكل دعامة قوية تحفظ الأسرة وتمنحها القوة لمواجهة التحديات.
في الختام، يمكن القول إن الاستدامة الأسرية هي رحلة متواصلة، تحتاج إلى جهد وتفهم وحب من الجميع. فهي ليست فقط عن البقاء معًا، بل عن بناء علاقات متينة تدوم رغم تقلبات الحياة، وعن تأسيس بيئة حاضنة لأجيال جديدة قادرة على صنع مستقبل أفضل لأنفسهم ولمجتمعاتهم.
تعليقات
إرسال تعليق