بقلم/ د. إيمان شاهين
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم.
الأسرة هي نواة المجتمع والمكان الأول الذي يتعلم فيه الإنسان القيم والأخلاق والسلوكيات التي تشكل شخصيته وتؤثر على مستقبله، ولكن مع الأسف في السنوات الأخيرة ظهرت مشكلات كثيرة داخل الأسر بسبب غياب السلوكيات الجميلة مثل الاحترام والمودة والألفة.
أصبحنا نرى الخلافات والصراعات هي اللغة السائدة بين الزوجين وأفراد الأسرة مما أدى إلى تفكك الروابط الأسرية وضعف التواصل بين أفراد العائلة وانعكس ذلك سلبا على الأبناء الذين أصبحوا يعانون من مشكلات نفسية وسلوكية كثيرة.
كما أن غياب الاحترام داخل الأسرة يزرع مشاعر الكره والعناد ويؤدي إلى تدهور العلاقات بشكل مستمر، وهذا لا يتوقف فقط على الجانب العاطفي بل يمتد إلى آثار اجتماعية واقتصادية خطيرة؛ حيث ترتفع معدلات الطلاق وتزداد حالات العنف الأسري ويتأثر الأطفال دراسيا وسلوكيا.
كما تظهر مشكلات اقتصادية مثل زيادة الأعباء على الدولة وتراجع الإنتاجية وارتفاع نسب الفقر والبطالة في ظل غياب الاستقرار الأسري.
ومن أجل مواجهة هذه التحديات قامت الدولة المصرية ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي بإطلاق برنامج مودة الذي يعتبر خطوة جادة نحو الحفاظ على كيان الأسرة المصرية من التصدع والتفكك.
يهدف البرنامج إلى نشر التوعية بين الشباب المقبلين على الزواج من خلال إعدادهم نفسيا واجتماعيا وثقافيا ليكونوا أكثر وعيا بمتطلبات الحياة الزوجية.
وقد تم تصميم البرنامج بشكل علمي حيث يشمل محاور متنوعة تتناول مهارات التواصل الفعال وإدارة الخلافات والتفاهم المتبادل واحترام الطرف الآخر وتحمل المسؤولية.
كما يركز على توعية الشباب بأهمية الصحة النفسية والاستقرار الأسري وتأثير الأسرة السليمة في بناء أجيال ناجحة، ويستخدم البرنامج وسائل متعددة للوصول إلى الفئة المستهدفة مثل: تقديم دورات تدريبية مباشرة في الجامعات والمعاهد ومراكز الشباب بالإضافة إلى توفير محتوى إلكتروني عبر المنصات الرقمية ليتناسب مع أسلوب حياة الشباب ويضمن الانتشار الأوسع.
كما يعمل البرنامج على رصد المشكلات الأسرية المنتشرة وتحليل أسبابها واقتراح حلول علمية وعملية لها.
لم يقتصر دور الحكومة على إطلاق البرنامج فقط، بل وفرت أيضا الدعم المؤسسي والتعاون مع وزارات التعليم العالي والشباب والرياضة والثقافة وغيرها لضمان تكامل الجهود وتوسيع قاعدة المستفيدين.
كما تقوم الدولة بمتابعة تنفيذ البرنامج وتقييم نتائجه بانتظام لضمان تحقيق الأثر الإيجابي المطلوب.
وتعكس هذه المبادرة إيمان الحكومة العميق بأن بناء الإنسان يبدأ من الأسرة وأن استقرار المجتمع لن يتحقق إلا من خلال دعم الأسر وتزويدها بالمعرفة والمهارات اللازمة لتجاوز التحديات.
إن عودة السلوكيات الجميلة إلى الأسرة ليست أمرا ثانويا، بل هي أساس لاستقرار المجتمع ونموه، ولن يتحقق ذلك إلا إذا بدأ كل فرد من داخل الأسرة في إعادة النظر إلى دوره وسلوكه وطريقة تعامله مع الآخرين؛ فبصلاح الأسرة يصلح المجتمع كله، وتتحقق التنمية الحقيقية التي تقوم على الإنسان قبل كل شئ.
تعليقات
إرسال تعليق