بقلم/ د. إيمان شاهين
تُعد الأسرة النواة الأولى لبناء مجتمع مستدام، فهي المدرسة التي يتلقى فيها الأبناء دروسهم الحياتية والقيمية، ومن أهم هذه الدروس ثقافة القيمة والاعتدال في الاستهلاك، وهي إحدى الركائز الأساسية لتحقيق الاستدامة الاقتصادية داخل الأسرة.
الاستدامة الاقتصادية لا تعني الاكتفاء المادي فقط، بل هي قدرة الأسرة على إدارة مواردها المالية والعينية بوعي وتوازن، بحيث تلبي احتياجاتها الحالية دون الإضرار بقدرتها على تلبية احتياجات المستقبل. وتبدأ هذه المنظومة من سلوكيات الأفراد اليومية، خاصة الأبناء الذين يمثلون جيل المستقبل الاقتصادي للمجتمع.
من الضروري أن يتعلم الأبناء منذ الصغر أن لكل شيء قيمة، سواء كانت الموارد أو الوقت أو المال، فحين يدرك الطفل أن الجهد المبذول وراء كل مورد يستحق التقدير، سينشأ على احترام الأشياء وعدم التبذير فيها. ويمكن للوالدين تحقيق ذلك عبر ممارسات بسيطة مثل إشراك الأبناء في وضع ميزانية الأسرة الشهرية بشكل مبسط، وتوضيح الفرق بين الحاجة والرغبة، وتشجيعهم على الادخار لتحقيق هدف معين ليشعروا بقيمة المال.
الاعتدال في الاستهلاك لا يعني الحرمان، بل هو سلوك قائم على الوعي والمسؤولية. حين يتعلم الأبناء كيف يستخدمون الموارد دون إسراف، فإنهم يساهمون في تحقيق التوازن بين الدخل والإنفاق، مما ينعكس على استقرار الأسرة المالي. هذا السلوك يسهم في بناء جيل يعرف كيف يخطط ويوازن ويفكر قبل الشراء، فيتحول من مستهلك عشوائي إلى مستهلك مستدام.
يظل الوالدان النموذج الأهم في هذا التعليم، فالأبناء يكتسبون القيم من الملاحظة أكثر من التوجيه. عندما يرى الأبناء والديهم يحرصون على ترشيد الاستهلاك، وإعادة الاستخدام، والتفكير قبل الشراء، فإنهم يتبنون هذا السلوك تلقائياً.
إن تعليم الأبناء ثقافة القيمة والاعتدال في الاستهلاك ليس مجرد توجيه تربوي، بل هو استثمار في مستقبل اقتصادي مستدام للأسرة والمجتمع، فكل أسرة تُدرك قيمة ما تملك وتستهلك بوعي وتربي أبناءها على المسؤولية، تضع لبنة قوية في بناء وطن يحقق التوازن بين الرخاء الاقتصادي والحياة الكريمة.
تعليقات
إرسال تعليق