التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأسرة الرقمية: كيف نواجه إدمان السوشيال ميديا؟


بقلم: د. إيمان محمود شاهين


في زمن أصبحت فيه الهواتف الذكية ضيفًا دائمًا على موائدنا وغرفنا وحتى أوقاتنا الخاصة، تحوّلت الأسرة إلى ما يمكن تسميته بـ"الأسرة الرقمية". نعيش جميعًا تحت سقف واحد، لكن كل فرد بات أسيرًا لعالمه الخاص خلف شاشة مضيئة. لقد قرّبت التكنولوجيا المسافات بين الدول، لكنها في الوقت نفسه باعدت بين القلوب داخل البيت الواحد، حتى أصبح الحوار الحقيقي عملة نادرة، والابتسامة وجهاً لوجه تُستبدل برموز رقمية لا تحمل دفء المشاعر.


إدمان مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد مجرد عادة، بل تحول إلى أزمة أسرية صامتة تنخر في عمق العلاقات. الأب منشغل بعمله أو بمحتوى لا ينتهي، والأم تجد في تصفح الصفحات متنفسًا من ضغوط الحياة اليومية، أما الأبناء فيغوصون في عالم افتراضي تتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والوهم، فيتراجع دور الأسرة كمصدر للتربية والتوجيه، وتضعف القيم، ويتسرب الصمت إلى البيوت.


ولمواجهة هذا الواقع، علينا أن نعيد صياغة علاقتنا بالتكنولوجيا من جديد، لا باعتبارها عدوًا، بل أداةً يمكن أن تخدمنا إن أحسنا توجيهها. تبدأ الاستدامة الرقمية من داخل الأسرة، من وعي الوالدين قبل الأبناء، ومن إدراك أن التربية في العصر الرقمي لم تعد تقتصر على القيم الأخلاقية فحسب، بل تشمل أيضًا بناء وعي تكنولوجي مسؤول. إن القدوة في السلوك الرقمي أصبحت جزءًا من التربية الحديثة، فحين يرى الأبناء والديهم يستخدمون الأجهزة بحكمة، يتعلمون هم بدورهم كيف يوازنون بين العالمين الواقعي والافتراضي.


من المهم أن تستعيد الأسرة لحظاتها الإنسانية المفقودة، بأن تخصّص وقتًا خاليًا من الشاشات، وقتًا للحوار، والضحك، والتخطيط، وحتى الصمت المشترك. تلك المساحات الصغيرة من التواصل الحقيقي هي التي تُعيد للبيت دفئه ومعناه. كما يمكن تحويل التكنولوجيا نفسها إلى وسيلة إيجابية، عبر استخدامها للتعلم، أو لمشاركة أنشطة تنمي الفكر والمهارة بدلًا من التشتت والانعزال.


الأسرة الرقمية المتزنة ليست تلك التي ترفض التكنولوجيا، بل التي تملك زمام استخدامها. فالتوازن بين العالمين الواقعي والرقمي هو مفتاح الاستدامة الأسرية في القرن الحادي والعشرين. إن بناء هذا الوعي هو مسؤولية جماعية تبدأ من البيت وتمتد إلى المدرسة والمجتمع.


وفي إطار مبادرة “المرأة تقود نحو الاستدامة الأسرية” التي تهدف إلى تعزيز قيم الاعتدال والوعي داخل الأسرة المصرية، يأتي التحول الرقمي الواعي كأحد محاورها الأساسية. فالتكنولوجيا ليست خطرًا بحد ذاتها، بل طريقة تعاملنا معها هي التي تحدد إن كانت جسرًا للتواصل أم جدارًا للعزلة. الأسرة الواعية هي التي تمتلك التكنولوجيا، لا التي تمتلكها التكنولوجيا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...