بقلم/ د. نجلاء الورداني
هزّت قضية الطفل أيمن يوسف، تلميذ الصف السادس الابتدائي، الذي أقدم على قتل زميله محمد، وجدان المجتمع المصري والعربي بأسره، ليس لأنها جريمة قتل عادية، بل لأنها جريمة ارتكبها طفل بحق طفل، في سن يُفترض أن تكون فيه البراءة عنوانًا والسلوك الطفولي الطبيعي هو السائد.
إن ما حدث يكشف عن أزمة واضحة في منظومة التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية في المجتمع، ويطرح تساؤلات خطيرة: كيف يمكن لطفل في الثانية عشرة أن يحمل نية القتل؟ ما الذي زرع في داخله هذا القدر من الفلظة والانتقام؟ وما الذي غاب عن الأسرة المصرية والمدرسة والمجتمع حتى وصل بنا الحال إلى أن يتحوّل الصغار إلى قتلة وضحايا في آنٍ واحد؟
لقد جسدت هذه الحادثة المأساوية تحوّل الطفولة من مساحة للأمان إلى ساحة للعنف والانتقام، نتيجة تراكمات من الإهمال الأسري، والتطبيع مع مشاهد العنف في الإعلام والألعاب الإلكترونية، إلى جانب ضعف الرقابة والتوجيه النفسي والسلوكي داخل المدارس. فالطفل الذي يفتقد الحوار والاحتواء، ويعيش في بيئة يختلط فيها القسوة بالحرمان خاصة الحرمان العاطفي، يصبح أكثر عرضة لتبني سلوك عدواني لا يعي حدوده.
من ثم، فإن قضية أيمن يوسف ليست مجرد واقعة جنائية، بل ناقوس خطر اجتماعي وتربوي، يستدعي منّا جميعًا إعادة النظر في أساليب التربية والتواصل مع أبنائنا. إن غرس قيم التسامح، وضبط الانفعالات، واحترام الآخر يجب أن يبدأ من المنزل، الأسرة، يُعزَّز في المدرسة، وتدعمه وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
لقد فقدنا في هذه القضية طفلين: أحدهما رحل جسدًا، والآخر ضاع معنًى ومستقبلًا. وكلاهما ضحية نظام تربوي فقد قدرته على الحماية والتقويم. لذا، فإن مسؤوليتنا اليوم هي أن نمنع تكرار مثل هذه المآسي، عبر بناء وعي جديد بالطفولة، يقوم على الرعاية النفسية، والحوار، وتربية المشاعر الإنسانية قبل السلوك الظاهري.
إن أيمن ومحمد ليسا سوى مرآة لواقع أكبر، يُحتّم علينا أن نسأل أنفسنا بصدق:
هل نمنح أبناءنا الوقت الكافي لنفهمهم؟
هل نُصغي إلى ما يختبئ خلف صمتهم وغضبهم؟
أم أننا نتركهم فرائس لشاشاتٍ باردة ومجتمعاتٍ قاسية؟
الجواب على هذه الأسئلة هو ما سيحدد ما إذا كانت الطفولة في بلادنا ستبقى بريئة، أم تصبح خطرًا قادمًا؟
تعليقات
إرسال تعليق