التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف نحمي أبناءنا من العزلة الرقمية؟



كتبت مروة علاء الدين:

في الماضي كانت الأسرة تجتمع حول مائدة واحدة، ويتشارك الجميع الحديث والضحك والذكريات. أما اليوم، فقد تغيّر المشهد تمامًا، وأصبح كل فرد يعيش داخل عالمه الخاص، تحيط به الشاشات من كل جانب. طفل يمسك هاتفه، وآخر يتابع مقاطع الفيديو، وأم تتابع مواقع التواصل، وأب منشغل برسائل العمل. وبين هذه الشاشات يضيع الحوار، ويغيب الدفء، وتولد ما يُعرف بالعزلة الرقمية.


توضح الدكتورة إيمان شاهين أن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا نفسها، فهي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، بل في الطريقة التي نتعامل بها معها. فالتقنية التي كان من المفترض أن تُقرّبنا من بعضنا البعض، أصبحت أحيانًا تُبعدنا أكثر.


حين يقضي الطفل ساعات طويلة أمام الشاشة، يعتاد سرعة الصور والمشاهد المتغيرة، فيفقد تدريجيًا صبره على الواقع الهادئ. لا يعود يستمتع بالحديث مع أسرته أو اللعب مع أصدقائه، بل يجد راحته في العالم الافتراضي الذي يمنحه ما يشاء بضغطة واحدة. ومع مرور الوقت، تتحول هذه العادة إلى انعزالٍ عاطفي واجتماعي، فيبدو الطفل حاضرًا بجسده، غائبًا بروحه.


وترى الدكتورة شاهين أن الحل ليس في المنع، لأن المنع وحده لا يصنع الوعي، بل في المشاركة والحوار. فالطفل يحتاج إلى من يستمع إليه ويشاركه اهتماماته، لا إلى من يفرض عليه الأوامر. حين نسأله عمّا يشاهده ولماذا يحب هذا المحتوى، وحين نقضي معه وقتًا في نشاط حقيقي بعيدًا عن الشاشة، نمنحه بديلًا صادقًا يشعره بالاهتمام والانتماء.


كما تشير إلى أن القدوة هي العامل الأهم. فالأبوان اللذان ينصحان أبناءهما بالابتعاد عن الموبايل بينما هما منشغلان به طوال الوقت، يرسلان رسالة متناقضة. التربية الحقيقية لا تُبنى بالكلمات، بل بالمثال والسلوك.


الوقاية من العزلة الرقمية لا تحتاج قرارات قاسية، بل خطوات بسيطة ومتواصلة. أهمها أن تضع الأسرة قواعد واضحة للتعامل مع الأجهزة، ليس بشكل عقابي، بل باتفاق يشارك فيه الجميع. تحديد أوقات معينة للاستخدام يساعد الأبناء على احترام الوقت والشعور بالمسؤولية. كذلك من المهم استعادة اللحظات العائلية اليومية، مثل وجبة طعام بلا هواتف، أو جلسة قصيرة قبل النوم للحكايات والمناقشات.


ويُعد تقديم البدائل الواقعية أحد أهم الحلول، كأنشطة منزلية، أو رياضة، أو قراءة، أو حتى نزهات بسيطة في الهواء الطلق، فهذه اللحظات تخلق توازنًا بين العالمين الواقعي والرقمي. كما أن الحوار الهادئ القائم على الاحترام لا الاتهام يجعل الأبناء أكثر وعيًا وانتماءً للأسرة.


وأخيرًا، يبقى القدوة هي الأساس. عندما يرى الأبناء الكبار يستخدمون التكنولوجيا باعتدال، سيقلّدونهم تلقائيًا دون ضغط أو صراع.


إن العزلة الرقمية لا تُعالج بالصوت العالي، بل بالحب والاحتواء. فحين يجد الطفل في بيته من يسمعه ويفهمه ويشاركه اهتماماته، لن يبحث عن بديلٍ خلف شاشة. ووقتها فقط، تعود البيوت لتنبض بالحياة من جديد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...