التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ماذا لو كانت جولدا مائير تعيش بيننا الآن؟



إعداد: د. نجلاء الورداني


في عالمٍ تتغير ملامحه كل يوم، ويُعاد فيه رسم خرائط القوة والنفوذ، يطلّ سؤالٌ تأمليّ يستفز الذاكرة السياسية:

ماذا لو كانت جولدا مائير تعيش بيننا الآن؟


جولدا مائير، تلك المرأة التي صعدت من صفوف الحركة الصهيونية إلى أن أصبحت واحدة من أبرز قادة إسرائيل في القرن العشرين، كانت تمثل بالنسبة للكثيرين رمزًا للصلابة، وللبعض الآخر رمزًا للعناد والإنكار. عُرفت بتصريحاتها القاسية تجاه الفلسطينيين والعرب، وبإيمانها العميق بفكرة “الدولة المحاصرة” التي لا تنجو إلا بالسلاح والخوف.


لكن، لو عاشت اليوم في عالمٍ يشهد تحولات غير مسبوقة — عالم التكنولوجيا، ووسائل التواصل التي كسرت حدود الرقابة، وتبدّل موازين القوة الإقليمية — فهل كانت ستحافظ على أفكارها القديمة؟ أم كانت ستعيد النظر في خطابها الصلب الذي ألغى الآخر؟


ربما كانت ستُصدم من مشهدٍ جديد لا يشبه زمنها:

أصوات عربية تطالب بالسلام ولكن على قاعدة العدالة، شباب فلسطيني يستخدم الكلمة والصورة كسلاح لا يقل قوة عن البندقية، ومجتمع دولي أكثر انقسامًا وأقل يقينًا بمفاهيم النصر والهزيمة.


لقد بنت مائير مشروعها السياسي على فكرة أن “الذاكرة يمكن أن تُمحى”، لكن الواقع الحالي يقول العكس تمامًا: الذاكرة الفلسطينية لم تمت، بل أصبحت أكثر حضورًا وانتشارًا، تتنقل بين الأجيال والمنصات، وتتحول إلى سردية عالمية يصعب إسكاتها.


وإذا كانت مائير ترى أن “الضعف” سمة منبوذة، فإنّ هذا العصر كشف أن الصمود الإنساني — رغم الألم والحصار — هو أبلغ أشكال القوة.

فالأمم لا تُقاس بعدد دباباتها، بل بقدرتها على الحفاظ على هويتها، حتى وهي تنزف.


اليوم، ربما كانت  مائير ستجد نفسها أمام عالمٍ يُعيد تعريف القوة من جديد،

وتكتشف أن الاحتلال مهما طال لا يمنح الشرعية، وأن الخوف لا يصنع الأمن،

وأن التاريخ لا يرحم من ظنّ أنه قادر على كتابته بالنار.



ربما رحلت  مائير جسدًا، لكنها لم تغب كرمز.

ففي كثير من سياسات الحاضر، لا تزال أفكارها تسير بخطى خفية، تحاول أن تُعيد إنتاج الماضي في ثوب جديد.

لكنّ الشعوب — كما يُثبت التاريخ دائمًا — أقوى من أي ذاكرة مزيفة.

إنها تعرف كيف تحوّل الوجع إلى وعي، والهزيمة إلى درس، والدم إلى حبرٍ يُعيد كتابة الحكاية من البداية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...