بقلم/ د. نجلاء الورداني
في ظهر يومٍ هادئ من أيام الخريف، كانت الصحراء صامتة كأنها تستمع إلى نبضٍ خفيّ تحت الرمال. لم يكن أحدٌ يدري أن التاريخ على وشك أن يستيقظ من نومه الطويل. على الضفة الغربية من القناة، كانت عيون الجنود المصريين تتلألأ بالعزم، وقلوبهم تدق على إيقاع كلمة واحدة: العبور.
في تمام الثانية ظهرًا، صدح الأفق بزئير الطائرات المصرية. تحوّلت السماء إلى نارٍ منقوشة بالشجاعة، وارتجّت الأرض تحت وقع المدافع. وفي الضفة المقابلة، كانت المفاجأة كالصاعقة؛ جنود العدو يركضون بالبيجامات، مذهولين، يبحثون عن بنادقهم كما يبحث الغريق عن الهواء.
لم يتصوّر أحدهم أن النيل سيُرسل أبناءه ليعبروا القناة في وضح النهار. كانت المياه تشتعل بالزوارق والدماء والتكبيرات. جندي شاب، في أوائل العشرينات، كان يدفع قاربًا صغيرًا وسط اللهب، وهو يهتف:
“مصر… حقها لازم يرجع!”
عبر الموج والرصاص، رفع العلم على الضفة الشرقية. لحظتها، شعر الجميع أن الأرض نفسها تهتف معهم، وأن التاريخ يُكتب من جديد، لا بالحبر، بل بالدماء والعزيمة.
وفي معسكر العدو، كان القائد الإسرائيلي يصرخ غاضبًا: “كيف حدث هذا؟!”
فيرد عليه أحد جنوده، مرتجفًا بثيابه المنزلية:
“هاجمونا وإحنا لسه في البيجامات"
ومنذ تلك اللحظة، وُلد الاسم الذي سيبقى ساخرًا وخالدًا في ذاكرة المصريين: بيجامة أكتوبر.
ليست سخرية من عدوٍّ تفاجأ، بل فخرٌ بجيلٍ قرّر أن يصنع من المفاجأة سلاحًا، ومن الصبر معجزة.
كانت بيجامة أكتوبر رمزًا ليومٍ استيقظ فيه العالم على الحقيقة القديمة الجديدة: أن مصر حين تنهض، تنهض كالعاصفة، لا تستأذن أحدًا، ولا تنتظر تصفيقًا.
تعليقات
إرسال تعليق