التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فن الدعابة: لغات العمق الإنساني



بقلم/ د. نجلاء الورداني

تُعَدُّ الدعابة من أقدم أشكال التعبير الإنساني وأكثرها التصاقًا بالطبيعة البشرية. فهي ليست مجرد كلمات طريفة أو مواقف مضحكة، بل هي فن متكامل يعكس قدرة الإنسان على تحويل المواقف الجادة أو الصعبة إلى لحظات خفيفة الظل، تُعيد التوازن النفسي وتمنح الحياة مسحة من البهجة.


ماهية فن الدعابة


فن الدعابة هو القدرة على إحداث تأثير نفسي إيجابي في الآخرين من خلال أسلوب طريف، أو تعليق ساخر، أو حكاية قصيرة تحمل مفارقة، أو حتى موقف عابر يُثير الابتسام. وهو فن يقوم على الذكاء اللغوي والقدرة على الملاحظة الدقيقة للمفارقات في الحياة اليومية، مما يجعله أداة تواصل فعّالة بين البشر.


 أنواع الدعابة


الدعابة اللفظية: وتعتمد على التلاعب بالكلمات، كالتورية أو المفارقة الساخرة.


الدعابة الموقفية: وهي التي تنشأ من مواقف حياتية طبيعية يتم تضخيمها أو عرضها بطريقة طريفة.


الدعابة الساخرة (الكوميديا السوداء): حيث يتم توظيف المأساة أو القضايا الجادة في قالب ساخر يكشف التناقضات الاجتماعية.


الدعابة التلقائية: التي تصدر عن الشخص في لحظة عفوية فتثير الضحك من غير قصد مسبق.


 وظائف الدعابة


1. التنفيس النفسي: فهي وسيلة للتخفيف من الضغوط والتوترات.


2. التواصل الاجتماعي: الدعابة تقرّب المسافات بين الناس وتُكسر بها الحواجز الرسمية.


3. النقد غير المباشر: كثيرًا ما تُستخدم الدعابة كأداة لانتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية بذكاء.


4. التعليم والتربية: حين تُقدَّم المعرفة في إطار مرح تصبح أكثر قبولًا لدى المتلقي.


الدعابة في الثقافات الإنسانية


كل ثقافة طوّرت أشكالها الخاصة من الدعابة، فبينما تركز النكتة العربية على سرعة البديهة والمفارقة، نجد الدعابة الإنجليزية تميل إلى السخرية الجافة (Dry Humor)، أما الدعابة الشرقية فغالبًا ما ترتبط بالحكمة الشعبية والأمثال المضحكة. هذا التنوع يعكس ثراء التجربة الإنسانية واختلاف طرائق التعبير عن الفرح والسخرية.


 الدعابة ليس مجرد ترف أو تسلية عابرة، بل هو آلية إنسانية أصيلة للتكيف مع ضغوط الحياة ومواجهة التناقضات الاجتماعية والسياسية. ومن هنا، فهو يعكس عمق الوعي الجمعي والقدرة على تحويل الألم إلى ابتسامة، والجدية إلى لحظة خفيفة تفتح مجالًا للتأمل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...