بقلم د. أحمد عيسى
استشاري العلاقات العامة والرأي العام بالمبادرة الرئاسية
أعزائي القراء من دواعي سروري أن أكتب فى هذا الموضوع الذى أعتبره واجبا وطنيا على كل المعنيين بالرأي العام وتوجهات الجماهير النوعية ودعم الدولة والقيادة السياسية فيما يحاك ضدها من حروب نفسية.
ومن الجدير بالذكر أن الحروب النفسية لا تمارس فقط ضد الدول، وإنما فى عالم الاقتصاد والمال يتم ممارستها ضد الشركات والمؤسسات والكيانات، فهي حرب تهدف إلى هدم الكيانات داخليا فلا تقوى على أي منافسة خارجية.
وقبل أن أبدأ فى الحديث التفصيلى عن الحرب النفسية أو ما يطلق عليها تحديدا حروب الجيل الرابع، دعونا نأخذ جولة سريعة لمعرفة تطور الحروب.
فى البداية، أحب أن أوضح أنه لا يوجد تاريخ فاصل يوضح بشكل قطعي المراحل الفاصلة بين كل جيل من الحروب وآخر، ولكنها بشكل تقريبي يتم تحديدها، وقد بدأت حروب الجيل الأول تقريبا في الفترة ما بين 1600 و1880 ميلادية، واتضحت معالم حروب الجيل الأول بوضوح فيما يسمى بالحرب النابليونية.
وركزت هذه النوعية من الحروب على العدد أو القوة البشرية وكانت الجيوش فيها تتلاقى في الصفوف الأمامية وجها لوجه، وكانت الخسائر البشرية فادحة.
ثم تطورت الحروب من الجيل الأول للجيل الثاني، وأصبح التركيز فيها على العتاد أو ما يسمى بالتسليح.
وتأتي بعد ذلك حروب الجيل الثالث، وفيها تم التركيز على المناورة والتكتيك ومحاولة الالتفاف والوصول للصفوف الخلفية، أو ما يسمى بالإمداد، وتدميرها؛ ومن ثم تصبح الصفوف الأمامية لقمة سائغة، وظهرت بوضوح في حروب الفترة التاريخية بدءا من عام 1940م.
ونصل الآن للحديث عن حروب الجيل الرابع، فبدءا من مرحلة تفكك الاتحاد السوفيتي قديما وثمانينيات القرن العشرين، ولمعرفة آلية عمل هذه الحروب ينبغي أن نعلم أن الشعوب والأوطان يتم تقسيمها لقوى عسكرية وقوى مدنية؛ فإذا ما سقطت القوى العسكرية أصبحت القوى المدنية هشة ضعيفة وتسقط بعدها الدول، وكذلك الحال إذا انهارت القوى المدنية أصبح من السهل الفتك بالقوى العسكرية، وذلك لأن القوى المدنية تمثل الجهاز المناعي الذي يدعم القوى العسكرية داخليا ويمثل عاملا أساسيًّا في تماسك الدول والشعوب.
وكما ذكر إيفي لي رجل العلاقات العامة أنه وبسبب الشائعات انهارت كثير من الدول في الحرب العالمية الثانية قبل انهيارها عسكريا، نعم انهارت بسبب فتك الشائعات بالقوى المدنية، مما كان له أثره السيئ على القوى العسكرية وتماسكها ومدى جدوى مقاومتها وصمودها.
ومنذ ذلك الحين برز دور أجهزة العلاقات العامة التي تطورت فيما بعد إلى أجهزة المخابرات العامة وهيئة الاستخبارات العسكرية في صمود الجبهة الداخلية وتماسك الدول، وأصبحت الدول تخصص ميزانيات ضخمة لأجهزة العلاقات العامة لا تقل عن ميزانيات التسليح العسكرى.
إذ ثبت بما لا يدع مجالا للشك من خلال تجربة الحرب العالمية الثانية، أن تماسك الجبهة المدنية الداخلية والروح المعنوية العالية هى سبب رئيسي لصمود وتماسك الجبهة العسكرية.
مما سبق يتضح لنا أن الحرب النفسية أو حروب الجيل الرابع هي حروب الشائعات، وهي التى حذر منها الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه بهذا الشأن محذرا من حروب الجيل الرابع والجيل الخامس.
ولكن كيف تعمل الشائعات؟ وما هي الخطط المتبعة من قبل أعداء الوطن في حروب الجيل الرابع؟
بعد دراساتي المستفيضة في هذا الصدد توصلت إلى أنه هناك أربعة مراحل يتم اتباعها في هذه الحروب التي تسمى الحرب النفسية أو حروب الجيل الرابع أو حرب الشائعات.
المرحلة الأولى (التشكيك):
وفيها يتم إطلاق الشائعات حول القيادة والقدوة فى المجتمعات وطبعا تتميز حروب الجيل الرابع باعتمادها على التكنولوجيا الحديثة ممثلة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل الإشاعة تنتشر بسرعة أكبر من سرعة انتشار النار في الهشيم.
ولا بد من سرعة توضيح الأمر للجمهور وعدم ترك حالة الغموض تسيطر على الجمهور. ولا بد كذلك من وجود شفافية في معالجة الشائعات، وهنا يتضح دور أجهزة العلاقات العامة في إصدار البيانات أو عقد مؤتمر لتوضيح الأمر؛ بما يعكس الاهتمام بما يدور فى أذهان الجماهير.
وهنا أتقدم بالشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي في خطواته الموفقة دائما عندما يصارح الجماهير ويكشف لهم ملابسات أي شائعات تطرأ على السطح وتشغل الرأي العام بين حين وآخر موضوع؛ إذ أنه من الصواب في هذه الحالات، التوضيح والشفافية وليس العكس،
لأن الإهمال يمثل بيئة خصبة لانتشار الشائعات ومن ثم نجاح أعداء الوطن في المرحلة الأولى من الحرب النفسية التي تسمى بالتشكيك.
المرحلة الثانية (التفكيك):
بعد انتشار الشائعات وعدم وجود من يتصدى لها تنتقل الجبهة المدنية في أي بلد من مرحلة التشكيك إلى التفكيك، وذلك بعدما تجد شائعات منتشرة ولا يوجد رد عليها أو توضيح من القيادة؛ فتفقد الثقة في القيادة، وبعد فقد الثقة في القيادة، يصبح ارتباطها بالقيادة ضعيفا جدا حتى ينعدم وينقطع بسبب الشك وفتك الشائعات بالعقول والقلوب، فتنقطع كل حبال الثقة بين القيادة والجبهة المدنية الداخلية.
المرحلة الثالثة (التفريق):
في هذه المرحلة تبدأ الجبهة المدنية بسبب طول البعاد وقطع حبال الثقة بينها وبين القيادة، في تبني موقفا معاديا للقيادة فتصبح وكأنها فريق والقيادة فريق آخر على طول الخط.
المرحلة الرابعة (التنازع):
وإذا لم تنتبه القيادة لهذه المرحلة الثالثة المسماة بالتفريق، ولم تبذل الجهود المحتم عليها بذلها للقضاء على هذه الحالة من الانقسام المجتمعي، فإنها سوف تنزلق أقدامها للمرحلة الخطيرة الرابعة والتي يبدأ فيها النزاع على القيادة، وفي هذه المرحلة يتم تدمير الجبهة المدنية الداخلية تماما،
حيث أن نزاع حروب الجيل الرابع يمر بثلاثة ملامح رئيسية:
★الملمح الأول وهو [الإنهاك]:
حيث أن كل الأطراف تعرف جيدا بعضها بعضا، لذلك فالجميع يلعب باحترافية عالية تقود إلى إنهاك الآخر،
★وبعدها يأتي ملمح [الإرباك]:
وهو اضطراب داخلي يصيب معظم الأطراف بسبب توقعهم تصرف معين من الطرف الآخر الذي كان يوما ما معهم فى نفس الخندق، ثم يخيب ظنهم بسبب حدوث عكس ما كانوا يعتقدون حدوثه، فيحدث إرباك شديد لهم فى حساباتهم ، فيقومون أيضا برد الصاع بشكل يربك الطرف الأخر ،
وهكذا تظل الجبهات المدنية تتقاسم وتتكاثر وتأكل بعضها بعضا.
★وبعدها ينتهي الأمر للجميع بالملمح الأخير وهو [الفشل]:
وفي ختام بحثي هذا، أتمنى أن أكون قد قدمت شيئا ولو يسيرا لوطني ولمؤسستي التي أعمل بها؛ وكذلك مؤسسات الوطن المعنية بالرأي العام حتى لا يكونوا عرضة للوقوع في براثن حروب الجيل الرابع ولا يسعني إلا أن أختم بقول الله تعالى:
(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )
وإلى اللقاء في بحث أخر من أبحاث الرأي العام.

تعليقات
إرسال تعليق