بقلم/ عبد الرحمن هاشم
كخادمٍ في طريق التصوّف، تعلّم أن تكون ساترًا لضعف الآخرين، حارسًا لأسرارهم، مراعياً لفضيلة الستر التي هي أصل من أصول السلوك؛ فكما تستر غيرك يسترك الله، وما أعظم قول الحق سبحانه: «ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتُه ما زكى منكم من أحدٍ أبداً».
فالسالك الصادق لا يعيش ساعة واحدة بلا ستر الله، وهو يدرك أن النجاة كل النجاة في أن يلبسه الله ثوبه الواسع من الرحمة والحفظ.
وفي رحلة السالك إلى الله، تشبه الحياة بالشجرة المثمرة؛ فهي رمز للخدمة والثبات والعطاء، وتقدّم لنا خمسة نماذج بديعة ينير بها السالك طريقه:
١ – نموذج الحياة والنمو: «كُن ناميًا»
الشجرة لا تتوقف عن النمو، والنمو دليل الحياة.
كذلك السالك: يخدم الطريق ويعمل باجتهاد، فلا يقف مستسلماً ولا يضعف أمام العقبات. ينمو هو، وينمو الطريق على يديه.
وغاية النمو عنده: ترقية النفوس في محبة الله ونوره، وهي مسؤولية روحية عظيمة على كل من سار في هذا الدرب.
٢ – نموذج الصمت والسكون: «كن هادئًا»
الشجرة تكبر في صمت، وتثمر بلا ضجيج.
وهكذا السالك: هدوؤه علامة فلاحه. يبتعد عن كل ما يربك القلب ويشتت الفكر ويشوّه صفاء الروح.
فلا صخب في عالم الملكوت، بل تسبيح هادئ لا ينقطع، وذكر يملأ الوجود نورًا.
٣ – نموذج الغذاء والدواء: «كن مُشبِعًا ومُريحًا»
الشجرة غذاء ودواء، تمنح دون مقابل.
والسالك مسؤول عن أن يشبع إخوانه روحيًا، ويحبّب إليهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى تمتلئ قلوبهم بالطمأنينة.
هو مصدر راحة ورحمة، يلطف بغيره، وينشر السكينة أينما حلّ.
٤ – نموذج الظلال والحماية: «كن ساترًا»
تظلّل الشجرة وتحنو على من يلجأ إليها.
وعلى السالك أن يكون ستارًا لضعف الآخرين وسقطاتهم، كما ستره الله.
وتكون الصلاة عنده معراج شكر.. يشكر ربه على نعمة الستر قبل أن يسأله المزيد من العطاء.
٥ – نموذج البهجة والجمال: «كن جميلًا»
ليس كل من يلقاه السالك جميل النفس، لكن مسؤوليته أن يصنع الجمال في قلوبهم.
فالكون جميل، وأهل الله ينبغي أن يتناغموا مع جماله، فيظهر أثر ذلك في خلقهم وسلوكهم وضياء أرواحهم.
بهذه النماذج الخمسة، يصبح السالك شجرة مباركة: مظهره ومخبره جميلان، خدمته صادقة، وطريقه موصول بالله حتى ينال الرضا والقبول بمشيئته وفضله.
الله يمنح عباده عطايا لا تُعد، ونحن – رغم عدم استحقاقنا – نقف أمامه بقلوب فرِحة به وبرسوله، ونعرض أعمالنا عليهما:
«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله».
وهما يريدان منا أن نكون راضين، مرضيين، مطمئنين، فرحين بكل ما يصنعه الله بنا من الخير والرحمة والنور.
تعليقات
إرسال تعليق