بقلم أ.د. حنان شكري
أستاذ الأدب العربي المساعد بكلية اللغات والترجمة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
الأمس الموافق أول نوفمبر 25، تاريخ يُحفر من نور في ذاكرة المصريين؛ حيث عاشت مصر والعالم يوما استثنائيا متفردا، يوم افتتاح المتحف المصري الكبير.
بدأت فكرة نقل
المتحف المصري من ميدان التحرير منذ سنوات، وبالفعل تم وضع حجر الأساس للمتحف
الجديد عام 2002، وكانت البداية مجرد حلم يراود وزير الثقافة الأسبق الدكتور فاروق
حسني، الذي يُعد من أفضل من اعتلى هذا المنصب في مصر، وتم عرضها على الرئيس الراحل
محمد حسني مبارك الذي وضع حجر الأساس بنفسه لهذا الصرح، وكان اختيار مكان المتحف
الجديد اختيارا عبقريا بامتياز، نعم.. منطقة أهرامات الجيزة، وعلى بعد ألفي متر
تقريبا من هرم خوفو كان التأسيس لهذا الصرح العملاق.. المتحف المصري الكبير.
والمتحف المصري
الكبير أعظم من كونه مشروعا حضاريا، أو مكانا لعرض آثار وأحجار؛ المتحف المصري
قاطرة حضارة، جسر يصل الماضي بالحاضر، المتحف المصري الكبير هو مخزون الذاكرة
الزمنية الحضارية، ذاكرة تضرب بجذورها في عمق التاريخ، ذاكرة عمرها سبعة آلاف عام
من الرقي والمدنية والعلوم والثقافة والفنون، فمن نقوش الحجر أضاءت مصابيح المعرفة
العالم كله.
وبنفس العبقرية المصرية
للقدماء، كانت عبقرية وعظمة فريق العمل المصري بكل فئاته من مهندسين وعمال وغيرهم،
فجاء المتحف شاهدا على تميّز وتفرّد الشخصية المصرية، وبدا كل شيء في هذا الصرح
متناغما، يلتقي فيه عبق الماضي بروعة الحاضر، ويتعانق فيه التطور المعماري مع
الفكر الأثري في توافق بديع.
أُقيم المتحف
المصري الكبير على مساحة خمسة آلاف متر مربع تقريبا، فهو أكبر متحف في العالم، وهو
لا يضم إلا الآثار المصرية فقط، وبه ما يقرب من مائة ألف قطعة أثرية، موزعة على
اثنتي عشرة قاعة عرض، بتنسيقات وتوزيعات مدهشة، كما أنه -ولأول مرة- يضم كل مجموعة
آثار الملك الشاب توت عنخ أمون كاملة، كذلك صُمم به الدرج العظيم وهو أبرز ما يميز
البهو الرئيسي للمتحف الكبير، يحتوي على مائة وثماني درجة، يعرض حوالي اثنتين
وسبعين قطعة أثرية موزعة على الدرج ومختلطة بإضاءات تعيدك نفسيا إلى تلك العصور،
ومما يسهم في هذا الإحساس السيناريوهات الخاصة بكل درج، والتي تنقلك عبر الحضارات.
وبالنسبة لإضاءة المتحف الطبيعية فقد تم تصميمها
على فكرة أشعة الشمس وتساقطها في خطوط مائلة على جدرانه وسقفه بما يشبه الأشعة
الذهبية التي كانت تضيء وجه الملوك في المعابد، وبه فتحات كبيرة مصممة بعبقرية
لدخول تلك الإضاءة، ولتكشف عن بانوراما الأهرامات وأبي الهول، كما تم استثمار التكنولوجيا
الحديثة بكل مقوماتها وخاصة الذكاء الاصطناعي، للاستفادة من كل عوامل الحضارة
الحديثة لإخراج هذا الصرح في أبهى صورة.
والآن نحن نعيش في حضرة الحلم الذي أصبح حقيقة، نعيش ملحمة مصرية غير مسبوقة، نتفق أو نختلف حول بعض الأمور، فلكل مذهبه، ولكن الحدث جلل، والأمر عظيم، ويحق لنا أن نفخر ونسعد.. نسعد بمصر أول دولة وضعت القوانين.. مصر أول جيش نظامي عرفه التاريخ.. مصر بداية الحضارة.. مصر أول دولة لها تاريخ مكتوب، جاءت مصر ومن بعدها سُطِر التاريخ.
مصر روح حضارة مازالت تلهم الإنسانية، المتحف المصري الجديد استدعاء لحضارة تحكي قصة سبعة آلاف سنة، أيدي الماضي العريق تصافح الحاضر المشرق بإذن الله. دمت مصر سالمة..

تعليقات
إرسال تعليق