بقلم/ د. إيمان شاهين
في عالمٍ يتسارع بخطاه نحو التنمية الشاملة، لم تعد القيادة تُقاس بالمناصب أو النفوذ فحسب، بل أصبحت ترتكز على القدرة على تحقيق الاستدامة في مختلف مجالات الحياة، وعلى رأسها الاستدامة الأسرية التي تُعدّ الركيزة الأولى لأي مجتمع مزدهر. ومن هذا المنطلق، تتجلّى المرأة القائدة كعنصرٍ فاعلٍ في تحقيق التوازن بين التنمية المجتمعية واستقرار الأسرة، فهي القلب النابض الذي يمنح الحياة معنى الاستمرارية والعطاء.
المرأة في جوهرها قائدة بالفطرة؛ فهي تُدير بيتها بحكمة، وتوزّع الأدوار، وتُنمّي القيم، وتغرس في أبنائها مبادئ المسؤولية والمواطنة. لكن من منظور الاستدامة الأسرية، يتجاوز دورها حدود الإدارة اليومية إلى بناء منظومة واعية تُوازن بين الحاضر والمستقبل، بين حاجات الأسرة الآنية ومتطلبات الأجيال القادمة. إنها قائدة تفكر بعقلٍ استراتيجي، فتُرشد الاستهلاك، وتدعم الاقتصاد المنزلي، وتُربي على احترام الموارد، وتحافظ على الروابط الاجتماعية كجزء من استدامة العلاقات الإنسانية.
القيادة النسائية في هذا الإطار ليست مجرّد توجيه، بل هي قيادة قيمية تقوم على الرؤية والقدوة. فالمرأة التي تزرع في أسرتها ثقافة الحوار، وتُشرك أبناءها في اتخاذ القرار، وتُمارس العدالة في توزيع المسؤوليات، إنما تبني نموذجاً مصغراً لمجتمع مستدامٍ متوازن. إنها تُعلّم بالحب لا بالخوف، وتُغيّر بالوعي لا بالقوة، لتصبح أسرتها وحدة إنتاجٍ للقيم والسلوكيات الإيجابية التي تُسهم في تنمية المجتمع ككل.
من منظور التنمية المستدامة، تمثّل القيادة النسائية الأسرية أحد أعمدة الأمن الاجتماعي، لأنها تضمن استقرار الأسرة في مواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. فعندما تمتلك المرأة المعرفة والوعي، وتُشارك في اتخاذ القرار الأسري والاقتصادي، تُصبح أكثر قدرة على التكيّف مع التغيرات، وعلى تحويل الأزمات إلى فرص. إنها تقود أسرتها نحو الاكتفاء، والتوازن، والمرونة — وهي العناصر الجوهرية لأي نظام مستدام.
وتتجلى مبادئ الاستدامة الأسرية في ثلاثة أبعاد متكاملة:
أولاً: الاستدامة الاقتصادية، من خلال إدارة الموارد بحكمة، والاعتماد على الإنتاج المنزلي، وترشيد الإنفاق بما يحقق الكفاية دون إسراف.
ثانياً: الاستدامة الاجتماعية، عبر تعزيز الترابط الأسري، واحترام الأدوار، وبناء علاقات قائمة على الحب والمسؤولية، ونشر قيم التعاون والمشاركة.
وثالثاً: الاستدامة البيئية، بتشجيع السلوكيات الصديقة للبيئة داخل المنزل، كإعادة التدوير، وترشيد استهلاك الماء والطاقة، وتربية الأبناء على احترام الطبيعة والموارد.
هذه المبادئ الثلاثة، حين تتبناها المرأة القائدة، تُحوّل بيتها إلى نموذجٍ مصغّرٍ لمجتمعٍ مستدامٍ قائمٍ على الوعي والمسؤولية والتكافل.
في الختام، يمكن القول إن المرأة القائدة من منظور الاستدامة الأسرية ليست فقط من تُدير شؤون بيتها بكفاءة، بل من تُحوّل هذا البيت إلى نموذجٍ مصغّرٍ للعالم الذي نطمح إليه: عالمٍ متوازنٍ، عادلٍ، ومستدامٍ في قيمه وإنسانيته. فتمكين المرأة في القيادة ليس غاية في ذاته، بل هو طريقٌ نحو أسرةٍ قادرة على أن تكون نواة لمجتمعٍ مستدامٍ لمستقبلٍ أفضل.

تعليقات
إرسال تعليق