التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قبل سنوات


د. عمار علي حسن 

قبل سنوات هاتفني رجل من قريتي، كان أحرفنا في لعبة كرة القدم أيام الصبا، وأخبرني بأن ورمًا سكن رأسه، يضغط على المخ بقسوة، وتمتد آثاره وأوجاعه إلى جسده كله. ثم أبلغني بأنه ذهب إلى "التأمين الصحي"، وبعد أشعات وتحاليل وتشخيص، اتفق الأطباء على أن العملية الجراحية صعبة جدا، بل مستحيلة.

ترك المنيا، وجاء إلى القاهرة، وعُرض على "كونستلو" آخر، بعد أن هاتفت أيامها رئيس التأمين الصحي د. على حجازي، لحرج الحالة، لكن الأطباء عادوا إلى رئيسهم قائلين: لا يمكن، سيموت منا أثناء العملية، وليس لدى أحد منا استعداد لتحمل هذا.
هاتفت العبقري د. لطفي إبراهيم، وهو كان، رحمه الله، أكبر أطباء المخ والأعصاب في الشرق الأوسط دون تهليل وتطبيل يقدم فيها إعلامنا الذين هم أقل منه كثيرًا، فقال الرجل: أرسله لي. وذهب المريض إلى عيادته الخاصة، الكائنة في ميدان الباشا بالمنيل، وبعد أن رأى الإشعات والتحاليل، هاتفني قائلًا: سأجري له العملية في مستشفى قصر العيني الحكومي، وسيخرج في اليوم التالي عائدًا إلى بلده.
تعجبت من قوله، وسألته: هل هذا معقول يا دكتور؟ فأجاب: أنا واثق مما أقول، وهو ما تم بالفعل، ولا يزال صاحبنا حيا يرزق.
تذكرت هذه الواقعة مع الجدل الدائر حاليا حول "قانون المسؤولية الطبية" وسألت نفسي: هل مثل هذا القانون سيجعل الأطباء المتمكنين المهرة الشجعان مثل د. لطفي إبراهيم يُحجمون عن إجراء جراحات دقيقة؟
لا أحد يطلق يد الطبيب في حياة المريض، لكن هناك معايير متعارف عليها عالميًا، فلماذا لا نطبقها، بعيدًا عن هذا التضييق الذي يجعل مصر بلدًا طاردًا للأطباء، في وقت كانت تمتلك فيه الطاقة الصحية البشرية التي تؤهل قطاعها الصحي ليكون أحد روافد تميزها، فيكفي أهلها، ويفيض على الإقليم، فيجذب إلى مستشفيات ومصحات القاهرة مرضى من بلدان عربية وأفريقية، صاروا الآن يقصدون بلدانًا أخرى.
الطب في مصر لو وجد عناية ورعاية سيكون مصدر دخل للبلاد أكثر من قناة السويس.. فهل هناك من يعرف؟ وهل هناك من يعتبر؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالصور.. اليوم التعريفي لصيدلة "مصر للعلوم والتكنولوجيا"

  عقدت كلية الصيدلة والتصنيع الدوائي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فعاليات (اليوم التعريفي للطلاب الجدد orientation day) تحت رعاية  خالد الطوخي رئيس مجلس الأمناء والدكتور نهاد المحبوب القائم بعمل رئيس الجامعة والدكتورة رحاب عبدالمنعم عميد كلية العلوم الصيدلية والتصنيع الدوائي. وشهدت الفعاليات حضور  الدكتورة مها عيسي وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث والدكتورة ولاء حمادة وكيلة الكلية لشئون التعليم والطلاب ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية؛ وحضور رؤساء الأقسام بالكلية وأعضاء من هيئة التدريس والهيئة المعاونة، والدكتور الحسيني الجندي رئيس قسم العقاقير ومقرر لجنة رعاية الطلاب، والدكتورة ندى لبيب؛ عميد المكتبات ومستشار رئيس مجلس الأمناء. وقام أعضاء الاتحاد العام لطلاب كلية العلوم الصيدلانية والتصنيع الدوائي بعرض الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الاتحاد واللجان المختلفة، فضلا عن  تكريم الأوائل من الطلاب بكل دفعة بلائحة pharm D ولائحة pharm D clinical بجائزة شهادة  الدكتورة سعاد كفافي للتفوق العلمي، وأخيرا تكريم اللجنة المنظمة لفعاليات الاحتفالية. يذكر أن الفعاليات ...

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر التقدير، بل تزرعه في الآخرين. هي لا تعمل كإدارية، بل كقائدة حقيقية، وكأنها تظن أ...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...