بقلم/ د. نجلاء الورداني
يبحر نص "امرأة في الظل" للزميل الأستاذ عبد الرحمن هاشم [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2025/09/blog-post_24.html ] في زوايا معتمة من العلاقات الإنسانية، متخذاً من تجربة "المرأة الأخرى" مدخلاً لسبر أغوار الضعف الإنساني والبحث عن الذات. ما يميزه ليس فقط جرأة الطرح، بل قدرته على تحويل الاعتراف الفردي إلى مرآة تعكس أزمة مجتمعية أوسع.
رحلة الألم والتحرر
ينطلق النص من سؤال وجودي عن السعادة الزوجية، لينحصر سريعاً في تجربة شخصية معقدة. البطلة ليست مجرد ضحية؛ إنها شريكة في علاقة قائمة على الوهم، تستقبل الرجل في ساعات مسروقة وتمنحه ما لا يجده في بيته. غير أن هذا "المهرب العاطفي" للرجل يتحول تدريجياً إلى "سجن عاطفي" للمرأة.
لحظة الوعي الحاسمة تأتي حين يواجهها الرجل باعتراف قاسٍ: أي زواج منه سيحوّلها إلى نسخة أخرى من زوجته. هنا يحضر الاستهلاك العاطفي الذي تعرّضت له البطلة في أشد صوره قسوة وعنف الرمز والمعنى، وتبدأ رحلة التحرر عبر إدراك الحقيقة ورفض الاستمرار خلف حوائط الظل والخيال.
رحلة الخلاص
النص لا يكتفي بتشريح الانكسار، بل يقدّم مسار تحول إنساني. عبر وسيط ينقل كلمات الشيخ، تدرك البطلة أن الاعتراف بالخطأ هو أول طريق التوبة. التحرر لا يعني قطع العلاقة فقط، بل يعني مواجهة الذات وتحمل المسؤولية. بهذا المعنى، تصبح استعادة الكرامة رفضاً صريحاً لأن تكون "ظلّاً في حياة أحد".
تفوق ذكوري وتبعية أنثوية
النص يعكس اختلال ميزان القوة بين الرجل والمرأة في العلاقات. الرجل يحتفظ بامتيازاته: زوجة شرعية توفر الاستقرار، وعشيقة تمنحه المتعة والحرية، بينما المرأة الأخرى تظل حبيسة الانتظار والحرمان. هذا التفاوت يعكس ما يسميه النقد النسوي بـ"ازدواجية المعايير الأخلاقية"، حيث يُسمح للرجل بالتعدد غير المعلن بينما تُلام المرأة على المشاركة في علاقة غير شرعية. هنا يفضح النص هشاشة موقع المرأة في منظومة اجتماعية تُبقيها في الهامش.
الاعتراف الأدبي بين الفردي والجماعي
يمكن قراءة النص في ضوء اعترافات السرديات العربية التي تناولت خيبات النساء في الحب -على سبيل المثال روايات نوال السعداوي- جميعها تشترك في تحويل التجربة الشخصية إلى سردية وعي جماعي: من الانكسار الفردي إلى التساؤل عن بنية المجتمع نفسه. وهنا يكمن نجاح النص: إنه يتجاوز الحكاية الخاصة ليطرح سؤالاً عاماً عن هشاشة العلاقات، وانعدام التواصل، وتشييء المرأة في ظل أنماط أبوية متجذرة.
ورغم عمق النص لكنه يبقى شهادة فردية أحادية لا تعطي للرجل أو للزوجة فرصة التعبير. ورغم هذا، يكسبه صدقه الاعترافي قوة وجدانية ويجعله مادة مثيرة لنقاش اجتماعي أوسع حول:
- لماذا يلجأ بعض الأزواج إلى "المرأة الأخرى"؟
- كيف تُنتج المنظومة الأبوية علاقات قائمة على الظل والوهم؟
- وما سبل بناء وعي بديل قائم على الشفافية والكرامة المتبادلة؟
يختتم النص برسالة قاطعة: "من يحبك لا يستغلك، ومن يريدك لا يخبّئك". وهي ليست مجرد عبارة وجدانية، بل تلخيص لرحلة أدبية وقيمية تكشف عن ضرورة رفض التبعية واستعادة المرأة لمركزها. إن هذا الاعتراف الفردي، بما يحمله من ألم وصدق، يتحول إلى صرخة أنثوية تفضح هشاشة المنظومة الذكورية، وتفتح أفقاً لمساءلة أعمق للعلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا.
تعليقات
إرسال تعليق