التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دينك ودين أهلك يا مواطن !!



مصطفى رجب
منذ وضع كرومر قبل قرن وربع قرن تقريبا خطته الجهنمية لإبعاد المصريين عن دينهم ، بدأ بتهميش مقرر التربية الدينية في المناهج والخطط الدراسية ، وانتهى الأمر بما يظهر حاليا في واقع مجتمعنا المصري الآن، وما يعانيه الشباب من تخبط فكري، وتمزق نفسي، واستعداد للاستقطاب هنا وهناك .
وهذا الواقع المأساوي يجعل من أهم واجبات وزارة التربية والتعليم – تماشيا مع ما يحدث من خلل مجتمعي - أن تُعيد النظر في سياستها المتبعة منذ مائة عام في تدريس التربية الدينية،
فالذي لا شك فيه أن هناك علاقة ما، بين التخصص العلمي من جهة، والثقافة الدينية من جهة أخرى، فأكثر الشباب الذين يتحمسون للدين، ويتمسكون بظواهر النصوص، ويلجأون إلى الحدّة في الفهم، والشدة في التعبير هم أبعد الشباب من دراسة الدين دراسة عميقة،
وأكثر المتشددين -كما نلاحظ- من دارسي الطب والهندسة والعلوم الطبيعية، وقلّة قليلة جداً منهم من الأزهريين أو من دارسي العلوم العربية والشرعية، ونحن نمرّ بهذه الظاهرة دون أن نُوليها ما يليق بها من الاهتمام والتأمل.
إن واقع التربية الدينية في مدارسنا بدءاً بمعلمها ومنهجها ومروراً بطرائق تدريسها، ومكانها من الجدول الدراسي، وانتهاء بكيفية الامتحان والنجاح فيها.. كل ذلك يضعنا أمام حقيقة يندى لها الجبين،
وهي أن الواقع أليم كل الألم، قبيح غاية القبح، فظيع أشد الفظاعة، فمعلّم التربية الدينية هو نفسه معلم اللغة العربية المُثقل أصلاً بفروع كثيرة هي: النحو، والقراءة، والنصوص والبلاغة والإملاء والتطبيق والخط والتعبير وتاريخ الأدب .. فهو يقوم بما يقوم به عدة معلمين، وهو المثقل إلى جانب ذلك بالإذاعة المدرسية، والصحافة المدرسية، وجماعة المسرح، وجماعة التمثيل والغناء، وربما الرحلات في بعض الأحيان، فأي هذه الهموم أحقّ بالإهمال؟!
.. يشهد الواقع أن هذا المعلم إن أراد أن يتخفف من شيء، فإنه يتخفف من الدين اتكالاً على الأسرة واعتماداً على دور العبادة ووسائل الإعلام التي تقدم الدين للناس، كما تراه هي، لا كما يريدونه هم.
والمعلم حين يفعل ذلك يجد من الناظر عوناً كبيراً، فالنظار بطبيعتهم يضعون حصص الدين آخر اليوم المدرسي حتى إذا أراد الطلاب "التزويغ" من المدرسة، لم يجد الناظر حرجاً في ذلك، لأنه يرى الحرج كل الحرج في أن يقصر الطلاب في الهندسة أو الجبر أو اللغة الأجنبية، ومعلم الجبر والهندسة إذا قدم للمدرسة نتيجة امتحان مادته وكانت خمسين بالمائة لم يستطع الناظر أن يلفت نظره إلى انخفاض نسبة النجاح، ولكن معلم الدين إذا قلت نسبة النجاح عنده عن مائة بالمائة فإن الناظر يستنكر، والوكيل يشجب، والمعاون يحتج، والمراقب يُدين، والمُوجّه يتهكم، والمدير العام يرفض، والمعلم بين هذا كله يضحك ثم يرفع النسبة "حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله".
والمعلم حين يفعل ذلك لا يستشعر في نفسه إثماً؛ لأنه لم يوفِ هذه المادة حقها من التدريس، ويذكر في نفسه أنه كان يستغل حصة الدين لتصحيح كراسات الإملاء والتعبير والتطبيق والخط مرة، ولمراجعة دروس النحو والصرف مرة ثانية، قبل مرور الموجه، وليلحق بالمنهج الطويل في حصص النصوص مرة ثالثة، وهو لا يستشعر في نفسه ذنباً لأنه يعلم أنه هو نفسه لا يحفظ إلا الآيات التي يطلب من الطلاب تكملتها في الامتحان؛ لأنه لم يكلَّفْ حفظ شيء من القرآن في الجامعة،
فبرامج إعداد معلم اللغة العربية في كليات التربية والآداب لا تتضمن أن يحفظ الطلاب شيئاً من القرآن الكريم أو الحديث الشريف، بل إن الإملاء وطرق الكتابة والخط وهي من أهم أدوات معلم اللغة العربية ليست مما يدخل في برامج إعداد معلم العربية في الجامعات المصرية اللهم إلا إذا تطوع أحد الأساتذة وأشار إليها في ثنايا مقرراته
من أجل ذلك كله ينشأ ناشئ الفتيان من شبابنا، وهو ينظر إلى الدين نظرة خاصة، فالدين هو مادة نجاح ورسوب، كما تقول وزارة التربية والتعليم إذا خاطبت الناس في الصحف والتليفزيون، ولكنه مادة نجاح إجباري كما تعلم وزارة التعليم إذا خلت إلى نفسها،
والدين في نظر فتياننا مادة يسيرة الدرجة إذا قيست بالجغرافيا، ويسيرة النجاح إذا قيست بالفيزياء والجبر، ويسيرة التدريس إذا قيست بالكيمياء والمنطق والنحو، وحصتها آخر الحصص ينتهي إليها الفتيان بعد أن يتسرب إليهم الكلَل والملَل طوال يوم دراسي شبعوا فيه صياحاً ولعباً وتحصيلاً، فما الذي يجعلهم يهتمون بمادة هذا شأنها؟!.
ومن جهة أخرى يتلقف هؤلاء الفتيان كلماتٍ يسمعونها من طرق خفية تتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم ينكرون بينهم وبين أنفسهم كثيراً مما يرون داخل بيوتهم وخارجها، وتستفز مشاعر المراهقة فيهم من مسلسلات يومية وأفلام شبه يومية تداعب فيهم أحطّ الغرائز وأدناها، فهم بين سبيلين لا ثالث لهما: إما الاستسلام للانحراف ، أو الاستسلام للتشدد ضد الانحراف ،
وليس لديهم في كلتا الحالين : "خط دفاعي ديني" يمنحهم القدرة على الصمود والتصدي ويعصمهم من الزلل إلى أحد السبيلين.
والذي نراه خلاصاً من هذا الانهيار المتتابع أن تنهض كليات الجامعات بإعداد معلم مختص بالتربية الدينية دون سواها، وأن ترفع الوزارة درجة الدين، وأن تكون حصص الدين كغيرها من المواد الدراسية، وأن يكون الامتحان فيها جاداً لا هازلاً، وأن تكون نتيجتها جادة لا هازلة، فلم يعد المجتمع قادراً على تحمّل المزيد من هذا الهزل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شهادة لا يجب أن تُؤجل

بقلم/ فاطمة صابر ردًا على منشور قديم نُشر عن د. أنس عطية، وما زال أثره حيًا، [انظر الرابط: https://alalamalyoumnews.blogspot.com/2024/02/blog-post_67.html ] أحب أقول: نعم، الكلمات التي كُتبت آنذاك عن د. أنس، أنا لم أقرأها فقط، بل عشتها. في سنة واحدة فقط، في مقرر واحد، شعرت كأنني أمام شخصية أب… رغم قلقي وخوفي في البداية، إلا أن تعامله العميق وأسلوبه الطيب احتواني، فشعرت بالأمان… الأمان الذي لا يُمثَّل، بل يُعاش. ولكن في زحمة الكلمات، هناك اسم آخر لا بد أن يُذكر، لا بد أن يُنصف، لا بد أن يُقدّر. اسم حين يُقال، ينحني له القلب قبل القلم… د. حنان شكري. قد أبدو لكم فتاة صامتة، لا تُكثر الكلام، وهذا صحيح… لكنني لست صامتة داخليًا. عقلي يعمل أكثر مما يظهر، ومشاعري تنبض من عمق لا يعرفه إلا القليل، ومن هذا العمق أكتب اليوم. د. حنان شكري ليست مجرد وكيلة لكلية، ولا حتى مجرد دكتورة… هي نموذج نادر من البشر، إنسانة تؤدي عملها كأنها تؤدي عبادة، وكأن التعليم أمانة كُتبت في رقبتها، لا تفرّط فيها مهما كانت التكاليف. رأيت فيها مثالًا لإنسان لا يسعى للمنصب، بل يسعى للصدق. لا تؤدي واجبها، بل تعيشه. لا تنتظر...

رأس المال الاجتماعي للمرأة

بقلم/ دلال عبد الحفيظ تحاول العديد من منظمات المجتمع المدني تبني إستراتيجيات تنموية من شأنها القيام بدور بارز في التحول من أهداف تحسين الحياة النوعية للنساء والحرفيات إلى تعزيز الميزة التنافسية والصورة الذهنية لمنظمات الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال من جماعات المصالح ذات الشراكات المتبادلة مع الشركات والمؤسسات المعنية.  لذا، كان لزامًا اتجاه مؤسسات الأعمال نحو تدريب المنتجين على مضاعفة الصادرات، وزيادة عدد ونوع عملاء المنظمة، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية المتطورة، وتعزيز شراكات العمل، ومن ثم تجسيد الارتباط بين قوة رأس المال الاجتماعي من جانب وبين تنمية شبكة الأعمال الدولية، وترويج العلامة التجارية لمنظمات المجتمع المدني، وتنمية رأس المال الإنساني لصغار المنتجين. ونستعرض في السطور الآتية بعض النماذج التطبيقية الناجحة لاتباع مثل هذه المبادرات الجامعة بين المزيجين النظري والعملي؛  فبالتطبيق علي مؤسسة CHOL-CHOL التشيلية، جاءت مبادرة توظيف النساء الحرفيات في إنتاج منسوجات عالية الجودة بالأنماط التقليدية والشعبية القديمة لمواطني مدينة"مابوتشو"، وارتكزت الإستراتيجية على ج...

رسالة دكتوراة توصي بالتوطين المحلي لصناعة السيارات

حصل الباحث محمد جمال عبد الناصر؛ المدرس المساعد بقسم إدارة الأعمال، بكلية التجارة جامعة عين شمس على درجة دكتور الفلسفة في إدارة الأعمال؛ مع التوصية بتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته بعنوان "توسيط المسئولية الاجتماعية والتسويق الأخضر في العلاقة بين أخلاقيات الشركات المدركة والولاء للعلامة (دراسة ميدانية)" وتشكلت لجنة الحكم والمناقشة من الدكتور عبد القادر محمد، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة المنصورة وعميد كلية التجارة جامعة المنصورة الجديدة" رئيسًا "، والدكتورة جيهان عبد المنعم، أستاذ التسويق بكلية التجارة ، ومستشار نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة" مشرفًا"، والدكتورة عزة عبد القادر، أستاذ التسويق بكلية التجارة جامعة عين شمس" عضوًا"، والدكتورة حنان حسين، مدرس إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة عين شمس" مشرفًا مشاركًا". وأجرى الباحث دراسته بالتطبيق على المشتركين في مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة، موصيًا  بأهمية العمل على زيادة المكون المحلي في السيارات داخل مبادرة الإحلال؛ بما...