بقلم/ أ.د. علي جمعة
دعت جميع الأديان، خاصة الإسلام، إلى العفاف، واتفق عليه العقلاء من البشر فلم يكن أبداً عبر العصور والدهور المختلفة حتى عصرنا الحاضر محلاً للاجتهاد، بل كان محلا للاتفاق، سواء أقام الشخص به في نفسه أم لم يقم، فإن الجميع يعلمون أن العفاف بكل جوانبه من أساسيات هو أصل في بناء المجتمع البشري، ومن أسباب تقدمه ورقيه.
تهتم حضارة الإسلام بمفهوم العفاف، ففي القرآن نجد الأمر بِغَضِّ البصر عن العورات والمحرمات، قال تعالى: (قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:٣٠]، وقال رسول الله ﷺ : «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه جل وعز إيمانا يجد حلاوته في قلبه» (رواه الحاكم).
وقال بعض الظرفاء:
إلهي ليس للعشاق ذنب * لأنك أنت تبلو العاشقين
فتخلق كل ذي وجه جميل * به تسبى قلوب الناظرين
وتأمرنا بِغَضِّ الطرف عنهم * كأنك ما خلقت لنا عيونا
فكيف نغض يا مولانا طرفاً * إذا كان الجمال نراه دينا
وقال آخر:
خلقت الجمال لنا فتنة * وقلت لنا: يا عباد اتقون
وأنت جميل تحب الجمال * فكيف عبادك لا يعشقون
فرد عليهم الشيخ التقي الأمين السوداني فقال:
خلقت الجمال لنا نعمة * وقلت لنا يا عبادِ اتقون
وإن الجمال تُقىً والتُّقى * جمال ولكن لمن يفقهون
فذوق الجمال يصفي النفوس * ويحبو العيونَ سمو العيون
وإن التقى هاهنا في القلوب * ومازال أهل التقى يعشقون
ومن خامر الطهر أخلاقه * تأبّى الصَّغَار وعاف المجون
وربي جميل يحب الجمال * جمال التقى يا جميل العيون
وهذا الجدل يظهر الفجوة الواسعة بين النموذج الحضاري الإسلامي القائم على العفاف وبين غيره من النماذج المعرفية الأخرى التي تفتقد العفاف ولا تضعه في مقدمة أولوياتها.
واهتم الإسلام كذلك بحفظ الفرج، ومن هنا جاء مفهوم العورات التي أمر ﷺ بسترها، كما جاء في حديث بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك»، قال: قلت: يا رسول الله، فإذا كان القوم بعضهم في بعضا قال: «إن استطعت ألا يرى أحد عورتك فافعل»، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا! فقال: «فالله أحق أن يُستحيا من الناس». (رواه النسائي).
إن العفاف من الأدوات التي تجلب للمجتمع الكثير من الخير وتحجب عنه الكثير من الشر والفساد، فاللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، وأنت على كل شيء قدير.
تعليقات
إرسال تعليق