التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من أكتوبر, 2025

الله قريب.. قصة استجابة دعائي

بقلم المستشارة/ شيماء سحاب - المحامية بالنقض تجربتي مع الدعاء علمتني أن الله لا يرد قلبًا أخلص في الطلب، ولا يخذل عبدًا ناجاه بصدق. سنوات طويلة رفعت فيها يدي إلى السماء، أرجو الله أن يرزقني ولدًا واحدًا يملأ قلبي فرحًا وبيتي أنسًا. ولم يطل الانتظار حتى استجاب الله لي، فوهبني ما دعوت به تمامًا، طفلاً واحدًا كما طلبت. حينها أدركت أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لو ألهمني أن أطلب اثنين لأعطاني، لأن الذي يُحرّك لسانك بالدعاء هو نفسه الذي يُحرّك قلبك إليه ، ودعاء القلب إذا صدق، صعد إلى السماء ففُتحت له الأبواب. تأملت ذلك في قصة سيدنا يوسف عليه السلام حين قال: «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ» (يوسف: 33). فاستجاب الله دعاءه، فصرف عنه كيدهن، ولكنه دخل السجن لأن لسانه نطق بذلك. ولو أنه قال: «الخروج من القصر أحب إليّ مما يدعونني إليه» لكان الله حقق له ذلك أيضًا. وهنا تتجلى دقة الدعاء، وحكمة اختيار اللفظ، فحتى يوسف عليه السلام ـ وهو النبي المعصوم ـ جرت عليه سنن الدعاء والاستجابة. ومع ...

ملامح قيادية فى قصة موسى والخضر عليهما السلام

  بقلم د. أحمد عيسى استشارى العلاقات العامة والرأى العام بالمبادرة الرئاسية إلى كل قادة وصقور العلاقات العامة والرأى العام المهتمين ببناء أنفسهم إداريا وفق نسق فريد قادر على مواجهة التحديات، أهديهم هذا المقال الذى سأضع فيه قصة موسى عليه السلام والخضر تحت مجهر الرأى العام. وقبل أن أقوم بسرد هذه الدروس وأهم ملامحها، دعونا نلقى الضوء على ملابسات رسالة موسى عليه الصلاة والسلام . إن رسالة موسى عليه السلام تكمن صعوبتها فى أنه أرسل لقوم تعدّى أذاهم البشر وقالوا عن الرب سبحانه أنه فقير وهم أغنياء، ومواطن أخرى اتهموه سبحانه بأن يديه مغلولة. إذًا، فالوضع يحتاج إلى رسول سيتعامل على تغيير القناعات أولا قبل التحدث عن تشريع أو عبادة أو نظام. الوضع مع بنى إسرائيل كان يتطلب قائدا صبورا إلى أقصى درجات الصبر ويتمتع بأعلى درجات ضبط النفس، لأن من صفات جمهور بنى إسرائيل الجدل السفسطائى العقيم، لذلك فالشخص العادي لن يستطيع أن يتم مشروعه بنجاح. كان الوضع أيضا يتطلب تهيئه خاصة لهذا القائد مما قد يشوب النفس البشرية. وتتلخص هذه التهيئة والدروس الإدارية فى السطور التالية : أولا :– التواضع وعدم الغرور : تبدأ...

تصاعد نزعة الاستهلاك والأكل وصناعة مجتمع مريض محبط

بقلم/ د. نجلاء الورداني يشهد المجتمع المصري في العقود الأخيرة تحوّلًا ملحوظًا في علاقته بالطعام، ليس بوصفه حاجة بيولوجية فحسب، بل كرمز ثقافي واجتماعي يعكس التحولات الاقتصادية والقيمية في بنية المجتمع. فالأكل لم يعد مجرد وسيلة لإشباع الجوع، وإنما أصبح وسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء الطبقي، ومؤشرًا على الذوق الاجتماعي والرفاهية، وأحيانًا أداة للمباهاة والتمظهر في المجالين الواقعي والافتراضي. لقد أدّت التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها مصر خلال العقود الأخيرة إلى إعادة تشكيل علاقة الأفراد بالطعام. ومع تصاعد النزعة الاستهلاكية واتساع الفجوة بين الطبقات، أصبح الأكل أحد أهم مجالات التعبير عن المكانة الاجتماعية. فاختيار المطعم أو نوع الوجبة أو طريقة تقديمها لم يعد شأنًا فرديًا بسيطًا، بل صار رسالة رمزية تحمل دلالات عن المستوى الاقتصادي والثقافي. كما ساهمت تغيرات نمط الحياة، وخروج المرأة إلى سوق العمل، وازدياد الاعتماد على الأطعمة الجاهزة، في تحويل الطعام من ممارسة منزلية يومية إلى مشهد اجتماعي عام ذي أبعاد رمزية متعددة. ولعبت وسائل الإعلام التقليدية والرقمية دورًا محوريًا في تضخي...

كيف تُحوِّل ربة المنزل منزلها إلى مشروع اقتصادي؟

بقلم/ د. إيمان شاهين  في عالمٍ يتغيّر بسرعة وتزداد فيه التحديات الاقتصادية يومًا بعد يوم، لم تعد ربة المنزل مجرّد مديرة لشؤون البيت، بل أصبحت تمتلك القدرة على أن تكون منتجة، مبدعة، وصاحبة مشروع اقتصادي ناجح ينطلق من داخل منزلها. فالبيت اليوم لم يعد فقط مكانًا للراحة، بل يمكن أن يكون نواة لمشروع صغير يفتح أبواب الأمل والاستقرار للأسرة. تبدأ الفكرة من الإيمان بالذات، فكل امرأة تمتلك مهارة أو موهبة يمكن أن تتحول إلى مصدر دخل. قد تكون تلك الموهبة في الطهي، أو الخياطة، أو صناعة الحلويات، أو إعداد الوجبات الصحية، أو حتى إعادة تدوير الأشياء البسيطة وتحويلها إلى منتجات مبتكرة. المفتاح الحقيقي هو الرغبة في التغيير والإصرار على النجاح، مهما كانت الإمكانيات محدودة. بعد الفكرة تأتي مرحلة التخطيط والتنظيم. على ربة المنزل أن تضع تصورًا واضحًا لما تريد تقديمه، وتتعلم أساسيات إدارة الوقت، وحساب التكلفة والربح، والتسويق الذكي لمنتجاتها. اليوم لم تعد التجارة حكرًا على المحال والأسواق، فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سوقًا مفتوحة يمكن من خلالها الوصول إلى آلاف العملاء من المنزل، دون تكاليف كبيرة. ويُع...

رحلة الحذاء إلى عالم الاقتصاد

  بقلم أ.د. عزة شبل محمد أستاذة اللغويات بكلية الآداب في جامعة القاهرة بمصر وأستاذة اللغويات بكلية الدراسات الأجنبية في جامعة أوساكا باليابان عرفت الحضارة الفرعونية القديمة ارتداء الحذاء منذ أكثر من حوالي 3000 سنة، وتعددت أشكاله، وألوانه. ارتبط وجود الحذاء في الحضارات المختلفة بسياقات ثقافية وحضارية عديدة، فقد لعب دوره في الحضارة الفرعونية، لارتباطه بحياة الملوك؛ تعبيرًا عن مكانتهم الاجتماعية، فكانت الملكات ونساء الطبقة الراقية ترتدين الأحذية أو الصنادل المذهبة والمزركشة؛ كمظهر من مظاهر الزينة وتعبير عن الفخامة والجمال. ارتدى المصري القديم الأحذية المصنوعة من الجلد والكتان، وسعف النخيل، وارتدى الملوك الأحذية المزخرفة بالخيوط الذهبية، والأحجار الملونة، والنقوش، وقد عثر في بعض المقابر الفرعونية على أحذية من الذهب الخالص، وتظهر بعض الرسومات الفرعونية أن الأحذية كانت تُستخدم كجزء من الطقوس الجنائزية، برمزيتها للرحلة والعبور إلى العالم الآخر. أما الكهنة في المعابد، فقد كانوا يمشون حفاةً، علامة على الطهارة، واحترام قدسية المكان.   صناعة القباقيب في مصر تزخر المتاحف الفرعون...

في بيتنا مراهق.. كيف نعبر العاصفة بسلام؟

  بقلم/ أ.د. سهير صفوت هل المراهق شخص كبير يتحمل المسؤولية في الأسرة، أم أنه صغير لا يزال بحاجة إلى قبضة الأبوين ورعايتهما؟ سؤال مربك يتردد في أذهان كثير من الآباء والأمهات، إذ يُقال إن أصعب مهمة في الحياة هي أن تكون أبًا أو أمًّا، خصوصًا عندما يدخل الأبناء مرحلة المراهقة، حيث يبلغ الآباء ذروة اختبارهم في الصبر والحكمة. تقول إحدى الأمهات في حيرة: "أشعر أن أولادي تغيّروا فجأة، لم يعودوا كما كانوا وهم صغار. أصواتهم ترتفع عليّ، يعاندون، يرفضون ما كانوا يحبونه، يضحكون فجأة ويبكون بلا سبب، أصدقاؤهم صاروا كل حياتهم... حتى الصلاة بدأوا يتكاسلون عنها، وملابسهم تغيّرت، وأنا خائفة عليهم من زمن لم يعد فيه ثوابت". وتضيف أخرى: "ابني صار عصبياً، ينام نهارًا ويسهر ليلًا، يصرخ ويغضب لأتفه الأسباب، لا أعرف كيف أتعامل معه!". تلك الأصوات ليست غريبة، بل هي صدى لمعاناة تعيشها معظم الأسر حين يدخل أحد أبنائها مرحلة المراهقة، تلك المرحلة التي وصفها الفلاسفة منذ قرون بأنها "العاصفة التي تسبق الهدوء" . يقول "جان جاك روسو": "هدير الأمواج الذي يسبق العاصفة...

الاقتصاد الأخضر داخل الأسرة… طريقنا نحو مستقبل مستدام

بقلم/ د. إيمان شاهين لم يعُد الاقتصاد الأخضر مجرّد حديثٍ عن البيئة، بل أصبح منهجًا متكاملًا للحياة، يربط بين ترشيد الاستهلاك، وصون الموارد، وتحقيق الرفاه للأسرة والمجتمع في آنٍ واحد. فالبيت هو اللبنة الأولى في بناء الاستدامة، وربة الأسرة هي القائد الحقيقي الذي يصنع التغيير من داخل الجدران، حين تُحوِّل الوعي إلى سلوكٍ يوميٍّ، والاهتمام بالبيئة إلى أسلوب حياة. ولكي تتحقق هذه الرؤية، يمكن اتباع مجموعة من الخطوات العملية البسيطة ذات الأثر الكبير: أولًا: حدّدي احتياجاتك بدقة تجنّبي الشراء العشوائي، وضعي قائمة بالمطلوب قبل الخروج إلى السوق، فالتخطيط الواعي يمنع الإسراف، ويحافظ على المال والغذاء معًا. ثانيًا: وفّري في استهلاك الطاقة والمياه أطفئي الأنوار غير الضرورية، واستخدمي المصابيح الموفِّرة للطاقة، ولا تتركي الصنبور مفتوحًا أثناء الاستخدام، فكل قطرةٍ موفَّرة تسهم في حماية كوكبنا. ثالثًا: اجعلي من المخلّفات موارد جديدة فكثيرٌ مما نُلقيه يمكن أن يُعاد توظيفه؛ كالبرطمانات الزجاجية، وبقايا الأقمشة التي يمكن تحويلها إلى مفارش أو أدوات منزلية جميلة. هكذا نُقلّل النفايات ونُبدع في الوقت نفسه. ر...

افتعال المشكلات يضرُّ بأمان البيت وراحة الأبناء

  بقلم المستشارة/ شيماء سحاب - المحامية بالنقض إنّ الحبَّ والمودة والاحترام المتبادل بين الزوجين هي الأعمدة التي يقوم عليها بيت الزوجية السعيد، فحين يسود الودّ والرحمة بين الزوجين، يتحوّل البيت إلى جنةٍ على الأرض، تفيض دفئًا وسكينةً وطمأنينة. غير أنّ الواقع يشهد كثيرًا من الخلافات والمنازعات بين الأزواج، قد تتفاقم أحيانًا لتصل إلى أقسام الشرطة أو ساحات المحاكم، وحينها يغيب صوت العقل، ويحلّ محلّه دافع الانتقام، وينسى الطرفان أن هناك ضحايا أبرياء يدفعون الثمن — إنهم الأبناء. فالأطفال الذين ينشأون في بيتٍ مليءٍ بالصراخ والمشكلات، تغيب عنه المحبة والاحترام، يحملون في داخلهم جراحًا لا تُرى، لكنها تترك آثارها العميقة في نفوسهم. كثير منهم يكبرون وهم يعانون اضطرابات نفسية، أو يميلون إلى العنف أو الإدمان، لأنهم فقدوا في صغرهم الشعور بالأمان والحنان. إنّ التفكك الأسري لا يُدمّر بيتًا واحدًا فحسب، بل يُضعف المجتمع بأسره. أما البيوت التي تُبنى على أساسٍ من الحب والاحترام، فهي بيوتٌ تُخرّج أبناءً صالحين، رجالًا ونساءً أسوياء، يعرفون معنى الانتماء، ويملكون وعيًا اجتماعيًا سليمًا، لأنهم تربّو...

الطفولة إذ تنتحر

  بقلم/ د. نجلاء الورداني هزّت قضية الطفل أيمن يوسف، تلميذ الصف السادس الابتدائي، الذي أقدم على قتل زميله محمد، وجدان المجتمع المصري والعربي بأسره، ليس لأنها جريمة قتل عادية، بل لأنها جريمة ارتكبها طفل بحق طفل، في سن يُفترض أن تكون فيه البراءة عنوانًا والسلوك الطفولي الطبيعي هو السائد. إن ما حدث يكشف عن أزمة واضحة في منظومة التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية في المجتمع، ويطرح تساؤلات خطيرة: كيف يمكن لطفل في الثانية عشرة أن يحمل نية القتل؟ ما الذي زرع في داخله هذا القدر من الفلظة والانتقام؟ وما الذي غاب عن الأسرة المصرية والمدرسة والمجتمع حتى وصل بنا الحال إلى أن يتحوّل الصغار إلى قتلة وضحايا في آنٍ واحد؟ لقد جسدت هذه الحادثة المأساوية تحوّل الطفولة من مساحة للأمان إلى ساحة للعنف والانتقام، نتيجة تراكمات من الإهمال الأسري، والتطبيع مع مشاهد العنف في الإعلام والألعاب الإلكترونية، إلى جانب ضعف الرقابة والتوجيه النفسي والسلوكي داخل المدارس. فالطفل الذي يفتقد الحوار والاحتواء، ويعيش في بيئة يختلط فيها القسوة بالحرمان خاصة الحرمان العاطفي، يصبح أكثر عرضة لتبني سلوك عدواني لا يعي حدوده...

حين يكون الصبر هو النصر: قراءة عابرة في قصة «نجح في الاختبار» للأديب عبد الرحمن هاشم

بقلم الأديبة الناقدة/ د. نجلاء الورداني تمثل  قصة " نجح في الاختبار! " نصًا رمزيًا بليغًا يعيد إلى الواجهة سؤالًا إنسانيًا خالدًا: كيف يتحمل الإنسان الظلم بكل ما فيه من قسوة ومشقة وبغض وعذاب، ثم يخرج منه منتصرًا في النهاية، لا بالثأر أو الغلبة، بل بالصبر والثبات والاحتساب والإيمان؟ في مشهد تصويري بسيط في ظاهره، عميق في دلالته، يصوّر الكاتب خطيبًا يقف بين الجماهير بعد غارةٍ ظالمةٍ أدمت القلوب قبل أن تهدم البيوت. لم يأتِ خطابه ليبكي الهزيمة ويشعرنا الويلات والدمار، بل ليكشف لنا أن للنصر وجوهًا كثيرة، وأن الهزيمة قد تكون وجهًا آخر من وجوه النصر لمن أحسن الصبر والتبصر وصدق في إيمانه.  فتأتي كلماته تشبه شعاع نور خارج من بين أحضان الدمار: "لمَ تحصرون معنى النصر في صورٍ بعينها لا تعرفون غيرها؟ ألا فاعلموا أن للنصر وجوهًا شتّى، وقد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند أولي النظرة القصيرة..." بهذه العبارات، يضع الكاتب أمامنا المفارقة الكبرى بين الانتصار الظاهري والهزيمة الباطنية، وبين الانكسار المادي والنصر الداخلي. فإبراهيمُ عليه السلام، كما يقول الخطيب، لم يكن مهزومًا حين أُلقي في...

نجح في الاختبار!

  قصة بقلم/ عبد الرحمن هاشم قام خطيبًا في الجماهير عقب غارةٍ صدّعت القلوب قبل البيوت، واستشهد فيها الصغار قبل الكبار، والنساء قبل الرجال. وقف بينهم شامخًا، صوته ينساب كبلسمٍ على الجراح، يهدّئ من روعهم، ويشدّ على أيديهم، ويوصيهم بالثبات قائلاً: «لِمَ تحصرون معنى النصر في صورٍ بعينها لا تعرفون غيرها؟ ألا فاعلموا أن للنصر وجوهًا شتّى، وقد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند أولي النظرة القصيرة. إبراهيمُ عليه السلام أُلقي في النار، ومع ذلك لم يتزعزع إيمانه بالله؛ أكان في موقف نصرٍ أم هزيمة؟ لا شكَّ أنه في قمة النصر وهو يُلقى في النار، كما كان في نصرٍ آخر حين نجا منها. والحسينُ عليه السلام حين استُشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، والمفجعة من جانبٍ آخر، أكان مهزومًا؟ عند أهل النظر القاصر، نعم، ولكن في ميزان الحقيقة الخالصة كان منتصرًا؛ فما من شهيدٍ في الأرض تهفو إليه القلوب، وتهتز له الجوانح حبًا وحنينًا وفداءً كالحسين عليه السلام!» وما إن أنهى خطبته، وصلّى بالناس، وخرج من المسجد، حتى اخترق صدره رصاصُ الغدر. سقط مضرجًا بدمه الطاهر، والجموعُ من حوله تهتف بحياة الشهيد. لم يبكوه، بل أبصروا ...

في ذكرى الإمام عبدالحليم محمود

بقلم: د. وليد الإمام مبارك في السابع عشر من أكتوبر تحل ذكرى رحيل الإمام الأكبر عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف، العارف بالله، وشيخ المتصوفين في القرن العشرين، الرجل الذي جمع بين العلم والحال، وبين الشريعة والحقيقة، فكان إمامًا في الفقه والفكر، ووليًّا في السلوك والروح. كان عبدالحليم محمود مثالًا للزهد والعلم والعمل، عُرف بسمته وورعه وتواضعه، محبًّا للفقراء، قويًّا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، اتسمت مشيخته للأزهر بالعزة والصلابة في الدفاع عن الدين، فكان حقًا إمامًا للأمة، وعالمًا ربانيًا. طفولة ونشأة وُلد الإمام عبدالحليم محمود عام 1910 بقرية أبو أحمد بمحافظة الشرقية، وتلقى تعليمه بالأزهر حتى نال العالمية، ثم أوفد في بعثة إلى فرنسا حيث درس الفلسفة وتاريخ الأديان، وتوّج دراسته بالحصول على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عن رسالته الشهيرة «التصوف الإسلامي عند الحارث المحاسبي»، التي عُدّت من أهم الدراسات المقارنة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي في مجاله. موقف لا يُنسى في فرنسا تُروى عنه قصة تجلّت فيها عفته وإيمانه، إذ عندما اقترح أحد أساتذته في فرنسا أن تُدرّسه فتاة اللغة الفرن...

كيف نحمي أبناءنا من العزلة الرقمية؟

كتبت مروة علاء الدين: في الماضي كانت الأسرة تجتمع حول مائدة واحدة، ويتشارك الجميع الحديث والضحك والذكريات. أما اليوم، فقد تغيّر المشهد تمامًا، وأصبح كل فرد يعيش داخل عالمه الخاص، تحيط به الشاشات من كل جانب. طفل يمسك هاتفه، وآخر يتابع مقاطع الفيديو، وأم تتابع مواقع التواصل، وأب منشغل برسائل العمل. وبين هذه الشاشات يضيع الحوار، ويغيب الدفء، وتولد ما يُعرف بالعزلة الرقمية. توضح الدكتورة إيمان شاهين أن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا نفسها، فهي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، بل في الطريقة التي نتعامل بها معها. فالتقنية التي كان من المفترض أن تُقرّبنا من بعضنا البعض، أصبحت أحيانًا تُبعدنا أكثر. حين يقضي الطفل ساعات طويلة أمام الشاشة، يعتاد سرعة الصور والمشاهد المتغيرة، فيفقد تدريجيًا صبره على الواقع الهادئ. لا يعود يستمتع بالحديث مع أسرته أو اللعب مع أصدقائه، بل يجد راحته في العالم الافتراضي الذي يمنحه ما يشاء بضغطة واحدة. ومع مرور الوقت، تتحول هذه العادة إلى انعزالٍ عاطفي واجتماعي، فيبدو الطفل حاضرًا بجسده، غائبًا بروحه. وترى الدكتورة شاهين أن الحل ليس في المنع، لأن المنع وحده لا يصنع الوعي...

الأسرة الرقمية: كيف نواجه إدمان السوشيال ميديا؟

بقلم: د. إيمان محمود شاهين في زمن أصبحت فيه الهواتف الذكية ضيفًا دائمًا على موائدنا وغرفنا وحتى أوقاتنا الخاصة، تحوّلت الأسرة إلى ما يمكن تسميته بـ"الأسرة الرقمية". نعيش جميعًا تحت سقف واحد، لكن كل فرد بات أسيرًا لعالمه الخاص خلف شاشة مضيئة. لقد قرّبت التكنولوجيا المسافات بين الدول، لكنها في الوقت نفسه باعدت بين القلوب داخل البيت الواحد، حتى أصبح الحوار الحقيقي عملة نادرة، والابتسامة وجهاً لوجه تُستبدل برموز رقمية لا تحمل دفء المشاعر. إدمان مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد مجرد عادة، بل تحول إلى أزمة أسرية صامتة تنخر في عمق العلاقات. الأب منشغل بعمله أو بمحتوى لا ينتهي، والأم تجد في تصفح الصفحات متنفسًا من ضغوط الحياة اليومية، أما الأبناء فيغوصون في عالم افتراضي تتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والوهم، فيتراجع دور الأسرة كمصدر للتربية والتوجيه، وتضعف القيم، ويتسرب الصمت إلى البيوت. ولمواجهة هذا الواقع، علينا أن نعيد صياغة علاقتنا بالتكنولوجيا من جديد، لا باعتبارها عدوًا، بل أداةً يمكن أن تخدمنا إن أحسنا توجيهها. تبدأ الاستدامة الرقمية من داخل الأسرة، من وعي الوالدين قبل الأبناء، و...

الرمزية الإبراهيمية في خطاب دونالد ترامب: قراءة تحليلية في توظيف الخطاب الديني لخدمة السياسة

بقلم/ د. نجلاء الورداني شهد الخطاب السياسي الأمريكي في العقود الأخيرة تداخلاً متزايدًا بين الدين والسياسة، لا سيما في ما يتعلق بالشرق الأوسط. وفي هذا السياق، يمثل خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نموذجًا دالًا على هذا التداخل، إذ أظهر ميلًا واضحًا لتوظيف الرموز الدينية الكبرى في بناء سردية سياسية تخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن أبرز هذه الرموز ما يُعرف بـ«الفكر الإبراهيمي»، الذي يُطرح بوصفه مشروعًا حضاريًا يوحِّد الأديان السماوية الثلاثة تحت مظلة سلام وتعايش ظاهري، بينما يخفي في جوهره رؤية هيمنية جديدة لإعادة تشكيل العلاقة بين الدين والسياسة في المنطقة. الخلفية الفكرية للفكر الإبراهيمي الفكر الإبراهيمي، أو ما يُعرف بـ«الديانة الإبراهيمية»، هو مفهوم سياسي–ديني ظهر بقوة في العقدين الأخيرين، يقوم على فكرة أن الديانات الثلاث (اليهودية، المسيحية، والإسلام) تنحدر من جذر واحد هو إبراهيم عليه السلام. ويُقدَّم هذا الفكر باعتباره وسيلة لتجاوز الصراعات الدينية وتعزيز الحوار والسلام. غير أن كثيرًا من الباحثين يرون فيه مشروعًا لإضعاف الخصوصيات العقائدية للأديان، وتذويب الفوارق الجوهرية ب...

الشهيد كـ "رمز" وجه لا يُمحى

بقلم/ د. نجلاء الورداني في الماضي، كان الشهيد رمزًا بعيدًا. كنا نسمع اسمه في نشرة الأخبار، أو نقرأ عنه في بيانٍ مقتضب، ثم نغلق التلفاز ونكمل حياتنا. لم نكن نعرف ملامحه، ولا نسمع صوته، ولا نرى ضحكته. كانت الشهادة مفهومًا عامًا، نُجِلّه ونحترمه، لكنه كان محاطًا بهالةٍ من البُعد والرمزية، لا من المعرفة والتجربة. أما اليوم، فقد تغيّر كل شيء. بفضل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الشهيد رقمًا في خبرٍ عابر، بل أصبح إنسانًا نعرفه ونتعلّق به. أصبح وجهه مألوفًا في شاشاتنا، وصوته حاضرًا في مقاطع قصيرة تُعيدنا إلى تفاصيل حياته، قبل أن يتحوّل إلى خبر استشهادٍ مؤلم. لقد صارت الشهادة الآن حكايةً تُروى بالصوت والصورة، لا مجرّد سطر في بيان. نعرف الصحفي أنس الشريف، الذي ظلّ يوثّق القصف والدمار حتى اللحظة الأخيرة، وهو يحتمي بالكاميرا ليحكي للعالم ما يحدث على الأرض. ونعرف صالح الجعفراوي، صديقه ورفيق دربه، الذي صار رمزًا للبسمة الفلسطينية المقاومة، ذلك الشاب الذي تحدّى الموت بالضحكة، فبقي حيًّا في وجدان الملايين بعد أن رحل. ونعرف الطفل الذي حمل أخاه الصغير في شنطة على ظهره، مشهدٌ واحد تختصر فيه ال...

تعليم الأبناء ثقافة القيمة والاعتدال في الاستهلاك من منظور الاستدامة الاقتصادية للأسرة

بقلم/ د. إيمان شاهين تُعد الأسرة النواة الأولى لبناء مجتمع مستدام، فهي المدرسة التي يتلقى فيها الأبناء دروسهم الحياتية والقيمية، ومن أهم هذه الدروس ثقافة القيمة والاعتدال في الاستهلاك، وهي إحدى الركائز الأساسية لتحقيق الاستدامة الاقتصادية داخل الأسرة. الاستدامة الاقتصادية لا تعني الاكتفاء المادي فقط، بل هي قدرة الأسرة على إدارة مواردها المالية والعينية بوعي وتوازن، بحيث تلبي احتياجاتها الحالية دون الإضرار بقدرتها على تلبية احتياجات المستقبل. وتبدأ هذه المنظومة من سلوكيات الأفراد اليومية، خاصة الأبناء الذين يمثلون جيل المستقبل الاقتصادي للمجتمع. من الضروري أن يتعلم الأبناء منذ الصغر أن لكل شيء قيمة، سواء كانت الموارد أو الوقت أو المال، فحين يدرك الطفل أن الجهد المبذول وراء كل مورد يستحق التقدير، سينشأ على احترام الأشياء وعدم التبذير فيها. ويمكن للوالدين تحقيق ذلك عبر ممارسات بسيطة مثل إشراك الأبناء في وضع ميزانية الأسرة الشهرية بشكل مبسط، وتوضيح الفرق بين الحاجة والرغبة، وتشجيعهم على الادخار لتحقيق هدف معين ليشعروا بقيمة المال. الاعتدال في الاستهلاك لا يعني الحرمان، بل هو سلوك قائم على ...

صورة الدرويش من مُخيلة الحكَّاء الشعبي إلى مُخيلة السَّارد (قراءة في قصة "صلاة على ماء النهر") للأديب عبد الرحمن هاشم

بقلم الأديبة الناقدة/ أ.د. عزة شبل محمد أستاذة اللغويات بكلية الآداب في جامعة القاهرة وأستاذة اللغويات بكلية اللغات الأجنبية في جامعة أوساكا باليابان   تبدأ قصة ( صلاة على ماء النهر )   للأديب عبد الرحمن هاشم بعنوان يجذب القارئ ويستحضر مشهدًا متكررًا؛ فطالما يرى الناس من يصلي ببقعة أرض بجوار ماء، أو يرونه في الأعمال السينمائية عبر شاشات العرض، وقد استقر هذا المشهد الروحاني في الوعي الجمعي، ولكن القارئ لا يستطيع أن يجزم، بعد قراءة عنوان هذه القصة، ما إذا كان الكاتب يقصد بالصلاة هنا أداء الفريضة، أم أنه يقصد الدعاء؟ أم أن العنوان يحمل دلالات أخرى سوف تكشف عنها أحداث القصة؟ فتثير القصة فضول القارئ، وتدفعه إلى متابعة القراءة.     تلوين الزمن، والبناء الاستعاري "في فجرٍ غائم ٍ من نهايات نوفمبر 1980، ابتلع الضباب الطريق، فانقلبت سيارة المعلم ساعي في مياه الترعة، فمات غريقًا. تناقل الناس الخبر، ورأى بعضهم أنه شهيد، وزادوا في تمجيده بما عُرف عنه من إصلاحٍ بين المتخاصمين وتجواله الدائم بين القرى كتاجرٍ للمواشي، لكنّ الأقدار لم تكن تنظر إليه بعين الناس"....